المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

388

وبتعبير أدقّ نقول: إنّ الاعتبار النفسانيّ صفة من الصفات النفسانيّة ذات الإضافة، كالحبّ والبغض والعلم، والإضافة في هذه الصفات داخلة في حاقّ ذاتها، وليست عارضة عليها من قبيل عروض البياض على الجسم، ولذا ترى أنّ الجسم يمكن تصوّره في مرتبة ذاته بغضّ النظر عن أيّ لون من الألوان، بينما هذه الصفات لا يمكن تصوّرها في أيّ مرتبة من المراتب بغضّ النظر عن إضافتها، والإضافة متقوّمة بالمضاف إليه، إذن فالاعتبار والجعل في اُفقه متقوّم بالمضاف إليه، فالمجعول الحقيقيّ موجود بنفس وجود الجعل في اُفق نفس الجاعل، والمعتبر الحقيقيّ موجود بنفس وجود الاعتبار في اُفق نفس المعتبر، كما أنّ المعلوم الحقيقيّ، أو المحبوب، أو المبغوض الحقيقيّ موجود بنفس وجود العلم، أو الحبّ، أو البغض في نفس صاحبه، وهذا هو المسمّى بالمعلوم بالذات، والمحبوب بالذات، والمبغوض بالذات وهكذا، فإن فرض: أنّ المجعول الذي يوجد ويصبح فعليّاً عند تحقّق الشرط هو مجعول بالذات للجعل قد انفصل عنه، فهذا غير معقول، وإن فرض: أنّه المجعول بالعرض، إذن فلو كان أمراً حقيقيّاً فلابدّ من افتراض سببيّة للجعل بالنسبة إليه، وهذا معناه الانتقال إلى الفرض الثاني.

وإن فرض: أنّ نسبته إليه نسبة المسبّب إلى السبب، لكن الجعل ليس سبباً كافياً له، بل هو مع حدوث الشرط خارجاً سبب كاف لتحقّق المجعول وفعليّته، فهذا أيضاً غير صحيح؛ لأنّ هذا المسبّب: إمّا أن يدّعى كونه موجوداً خارجيّاً، أو يدّعى كونه موجوداً نفسيّاً في نفس المولى، وكلاهما باطل.

أمّا الأوّل، فلوضوح: أنّ الأحكام الشرعيّة ليست من الموجودات الخارجيّة، وأمّا الثاني، فلأنّه لا يعقل وجود شيء في نفس الجاعل تبعاً لوجود الشرط خارجاً وهو الاستطاعة مثلا، بحيث سواء علم المولى بتحقّق هذا الشرط أو لا سيكون نفس تحقّقه خارجاً موجباً لوجود الجزاء في نفسه بالفعل.