المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

392

النظر إلى المعنى الحرفيّ نظرة مرآتيّة واستطراقاً إلى النظر إلى شيء آخر، بل قد يكون الهدف متعلّقاً بالنظر إلى نفس المعنى الحرفيّ، كما لو سُئل: «أين زيد؟» فقيل: «زيد في المسجد»، فهنا من الواضح: أنّ النسبة الظرفيّة بذاتها يقصد النظر إليها، لا للاستطراق إلى النظر إلى زيد والمسجد، أو إلى كون زيد والمسجد بناءً على تقدير فعل من أفعال العموم.

وإن اُريد بالآليّة: أنّ المعنى الحرفيّ بطبيعته مندكّ في غيره؛ لأنّه ليس إلّا عبارة عن النسبة المتقوّمة بطرفيها، فالنظر إليه ـ لا محالة ـ نظر اندكاكيّ وتبعيّ، لا نظر استقلاليّ.

فحينئذ نقول: لئن سلّمنا أنّ الإطلاق والتقييد لشيء يحتاج إلى توجّه استقلاليّ للنفس نحو ذلك الشيء، وسلّمنا أنّ التوجّه الاستقلاليّ للنفس نحو المعنى الحرفيّ الذي لا يوجد في الذهن إلّا بوجود اندكاكيّ لا يمكن تعقّله بافتراض: أنّ هذا التوجّه غير ذاك الوجود، وأنّه يمكن تعلّقه به مستقلاًّ وإن كان وجوده اندكاكيّاً، لئن سلّمنا كلّ هذا فبالإمكان أن يجاب عن الإشكال بأنّه يكفي في إمكانيّة الحكم عليه بالإطلاق أو التقييد الالتفات الاستقلاليّ إليه بتوسّط معنىً اسميّ مشير إليه، كما يصنعه الواضع في وضعه للحروف، فإنّ الوضع أيضاً كالإطلاق والتقييد حكم من الأحكام يحتاج إلى تصوّر الموضوع له، فيتصوّره بتصوّر معنىً اسميّ مشير إليه، ويضع اللفظ لواقع النسبة المشار إليها بهذا المفهوم الاسميّ(1) الذي تصوّره، فليكن التقييد أيضاً من هذا القبيل.

وقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه: أنّه لا إشكال في تقييد الوجوب، لا في مرحلة الثبوت، ولا في مرحلة الإثبات.



(1) هذا الكلام ناظر إلى مقالة المشهور في الوضع التي ترى أنّ الوضع نوع جعل واعتبار وحكم، لا إلى مقالة اُستاذنا (رحمه الله) التي ترى أنّ الوضع هو القرن الأكيد.