المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

442

أقول: إنّ دعوى عدم تقديم أحد الظهورين على الآخر بالأقوائيّة عند فرض التعارض بالعرض ولو فرض أنّ أحدهما في منتهى درجة القوّة، والآخر في منتهى درجة الضعف خلاف ما يبدو للذهن من الارتكاز العرفيّ على الخلاف، مثلا حينما يقول المولى: (لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاثاً)، كان ظهور الكلام في الحصر قويّاً جدّاً، بينما ظهور قوله: (لا تقضي الحائض ما فاتتها من الصلاة) في شموله لصلاة الآيات التي يكون ابتلاء الحائض بها في غاية الندرة، وأوّل ما يتبادر إلى الذهن الصلوات اليوميّة التي تبتلي الحائض بها في كلّ يوم ضعيف جدّاً، فالذي يبدو لنا بحسب الفطرة العرفيّة أنّه ينبغي تقديم الأوّل على الثاني إذا علمنا إجمالا بمخالفة أحد الظهورين للواقع، فينبغي أن نرى: أنّه ما هي الشبهة التي دعت إلى مجافاة هذا الارتكاز، ويمكن تقريبها بعدّة تقريبات:

التقريب الأوّل: ما هو محتمل أجود التقريرات، وظاهر فوائد الاُصول، وهو: قياس العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الظهورين على العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الخبرين، فكما أنّ العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الخبرين في نقله لا يوجب تقديم ما هو الأظهر منهما؛ لوضوح: أنّ نسبة العلم الإجماليّ بالكذب إليهما على حدّ سواء، وليس الأقوى ظهوراً أبعد عن الكذب، ولا الأضعف ظهوراً أقرب إلى الكذب، فكذلك العلم الإجماليّ صدفة بكذب أحد الظهورين لا يوجب تقديم ما هو الأظهر منهما.

وهذا التقريب مبنيّ على الخلط بين مرحلتين، فإنّه توجد عندنا مرحلتان بلحاظ الكلامين المتعارضين:

إحداهما: أنّ هذين الكلامين هل صدرا من المولى، أو لا؟

والثانية: أنّه بعد فرض صدورهما منه، وكون كلّ منهما كاشفاً عن المراد الجدّيّ هل يكون واقع مراد المولى على طبق هذا الكشف، أو ذاك؟