المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

443

وقواعد الجمع العرفيّ، وتقديم أقوى الظهورين كلّها مرتبطة بالمرحلة الثانية، أي: أنّه بعد الفراغ عن صدورهما معاً يقال: هذا له كشف عن العموم مثلا، وذاك له كشف عن الخصوص، فيقدّم ما هو أشدّ كشفاً، ويصلح أن يكون قرينة على المراد من الآخر. أمّا لو وقع الإشكال والكلام في المرحلة الاُولى، وعلم إجمالا بكذب أحدهما، ففي هذه المرحلة لا معنى لإعمال قواعد الجمع العرفيّ، وتقديم أقوى الظهورين؛ إذ لم يفرض صدور كلامين منه حتّى يقدم أقواهما كشفاً وظهوراً، بل نعلم: أنّه لم يصدر منه إلّا كلام واحد، فلا معنى لإعمال قواعد الجمع العرفيّ.

أو قل بكلمة اُخرى: إنّه بلحاظ المرحلة الاُولى ـ أعني: جهة الصدور ـ نسبة احتمال الكذب إلى كلّ من الخبرين على حدّ سواء، وكون أحدهما أقوى ظهوراً، والآخر أضعف لا يوجب أقوائيّة احتمال الكذب وأضعفيّته، ولكن بلحاظ المرحلة الثانية ـ أعني: جهة الظهور ـ يكون احتمال الكذب أقرب ـ لا محالة ـ إلى أحد الظهورين منه إلى الآخر حينما يكون ذاك الظهور أضعف من الظهور الآخر، ويكون هذا نكتة في تقديم العرف للظهور الأقوى، وجعله قرينة على التصرّف في الآخر(1).



(1) لا يخفى: أنّ الشيخ النائينيّ (رحمه الله) لم يكن بصدد قياس العلم بكذب أحد الظهورين بالعلم بكذب أحد الخبرين في عدم تقديم الظهور الأقوى حتّى يكون ذلك خلطاً بين المرحلتين، وكلامه في فوائد الاُصول واضح في إرادة قياس العلم بكذب أحد الخبرين في كونه داخلا تحت اشتباه الحجّة باللاحجّة وأحكامه، لا تحت التعارض وأحكامه بفرض العلم بكذب أحد الخبرين، فالمقصود هو التقريب الثاني زائداً على النقض بقياس العلم بكذب أحد الظهورين بالعلم بكذب أحد الصدورين، فيقال: كما أنّ العلم بكذب أحد الصدورين لا يخلق التعارض بين السندين، بل يوجب اشتباه الحجّة واللاحجّة بينهما؛