المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

517

ما ذكرناه في بحث الجبر والاختيار: من أنّ الفعل الاختياريّ لا يخرج بالإرادة والشوق الأكيد من الإمكان إلى الوجوب، والوجدان قاض بأنّه برغم هذا الشوق يمكنه أن يعاكس شوقه، ولا يأتي بما اشتاق إليه، وقد مضى: أنّ قاعدة: (أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد) لا تنطبق على الأفعال الاختياريّة للإنسان.

والجواب: أنّه لو قصدنا بالمقدّمة الموصلة ما يستحيل انفكاك ذي المقدّمة عنه، جاء هذا الإشكال، لكن ليس هذا هو المقصود، فإنّ الاستحالة ليست دخيلة في برهان المقدّمة الموصلة، وإنّما المقصود: المقدّمة التي يضمن معها ترتّب الغرض ـ أعني: ذا المقدّمة ـ عليه، ولا يحتمل أحد من الموالي أنّ العبد إذا تمّت في حقّه كلّ المقدّمات مع الشوق الأكيد، والإرادة نحو شيء، وله قدرة تامّة عليه، ولا مزاحم له في إعمال قدرته، ولا يوجد أيّ محذور في إقدامه عليه، فمع ذلك لا يفعل ذلك الفعل.

الرابع: أن يقال: إنّ الإرادة لا يمكن أن يجعل عليها الوجوب الغيريّ وإن كانت مقدّمة؛ لأنّ فيها نكتة تميّزها عن باقي المقدّمات، وهي: أنّ الأمر بذي المقدّمة الذي معناه: إيجاد الباعث والمحرّك نحو الصلاة لو حلّلناه، لوجدنا أنّه بالمباشرة دعوة نحو إرادة الصلاة؛ لأنّ الأمر بالصلاة مرجعه إلى الباعثيّة والتحريك نحو الصلاة، ومعنى ذلك: إيجاد الداعي في نفس المكلّف، وهذا معناه: إيجاد الإرادة، فكلّ تكليف نفسيّ بشيء يحرّك في الواقع مباشرة نحو إرادة ذلك الفعل، ولكنّه لا يحرّك مباشرة نحو سائر المقدّمات، فمن هنا أمكن إيجاد محرّك آخر نحو سائر المقدّمات كالوضوء، بخلاف الإرادة.

وجواب ذلك اتّضح ممّا مضى، فإنّ الوجوب الغيريّ ليس وجوباً مجعولا بداعي المحرّكيّة والباعثيّة حتّى يقال: لم يبقَ مجال لذلك، بل لو كان مجعولاً