المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

561

والثاني: تعيين مركز المسؤوليّة، فقد يتّفق أنّ الشوق النفسيّ للمولى يكمن في شيء، لكنّه يدخل شيئاً آخر تحت المسؤوليّة، فمثلا قد يحبّ المولى أن يصون العبد نفسه عن الفحشاء والمنكر، لكنّه لا يأمره بذلك ابتداءً؛ إذ لو أمره به ابتداءً أساء العبد التصرّف؛ إذ لا يعرف كيف يصنع حتّى تحصل هذه الصيانة، فيُدخل في عهدته مقدّمة من مقدّمات ذلك، وهي الصلاة مثلا.

وشيء من الداعيين غير موجود في وجوب المقدّمة: أمّا الداعي الأوّل، وهو إبراز الشوق، فلأنّ الشوق إلى المقدّمة ـ بناءً على الملازمة بين الوجوبين ـ غيريّ، ويكفي في إبرازه نفس جعل وجوب ذي المقدّمة وإنشائه، وأمّا الداعي الثاني، وهو تعيين مركز المسؤوليّة، فلأنّ الوجوب الغيريّ لا يدخل الشيء في العهدة، على ما مضى: من أنّ الوجوب الغيريّ لا يقبل التنجيز، ولا يستتبع حكم العقل بوجوب الإطاعة أو حرمة المعصية، ولا استحقاق ثواب أو عقاب على الفعل أو الترك.

وأمّا مرحلة الشوق والحبّ، فدعوى الملازمة بين الشوق والحبّ لذي المقدّمة والشوق والحبّ للمقدّمة ليست إلّا دعوى ملازمة بين أمرين تكوينيّين، حالها حال دعوى الملازمة بين أيّ أمرين تكوينيّين آخرين خارجيّين أو نفسيّين، لا يمكن إثباتها ببراهين عقليّة وأدلّة فكريّة، بل لابدّ فيها من التجربة، وكما أنّ الإنسان لا يعرف أنّ النار هل هي تلازم الإحراق أو لا، إلّا بأن يجرّب بإدخال يده فيها، أو إلقاء قرطاس فيها ونحو ذلك، وليست الملازمة بينهما ممّا يمكنه أن يتوصّل إليها بمجرّد التفكير، كذلك الملازمة بين الشوق إلى الشيء والشوق إلى مقدّمته لم يكن الإنسان لكي يتوصّل إليها لو لم يكن هو يمتلك أشواقاً إلى أشياء لها مقدّمات، فيجرّب نفسه ليرى هل يلازمه شوقه للشيء الشوق إلى مقدّمته أو لا، وحيث إنّ القضيّة نفسيّة وليست خارجيّة، فتجربتها ليست إلّا عبارة عن مراجعة