المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

141

السيّد الشهيد(قدس سره)، فوجدته في المكتبة يبكي بكاءً شديداً، فقلت له: سيّدي ومولاي، إن كنت أنت هكذا تصنع إذن فماذا يجب أن أصنع أنا؟! حينئذ كفكف(قدس سره) دموعه، وقال لي: يا ابني واللهِ لو أنّ البعثيّين خيّروني بين إعدام خمسة من أولادي وبين إعدام هؤلاء، لاخترت إعدام أولادي، وضحيّت بهم؛ لأنّ الإسلام اليوم يحتاجهم (يعني: الشيخ عارف وصحبه).

هذه العاطفة ليست عاطفة غريزيّة من سنخ العواطف المتعارفة، هذه عاطفة كعاطفة أمير المؤمنين(عليه السلام)، فهو يقتل المئات في ساحات الوغى ثُمَّ في نفس الوقت يجلس إلى جانب طفل يتيم يمسح رأسه ويبكي.

الموقف الثاني الذي مازال في نفسي: حينما وصل إلينا خبر إعدام السيّد الشهيد قاسم شبّر والسيّد قاسم المبرقع، وحينما سمع السيّد الشهيد خلال فترة الاحتجاز بإعدام هؤلاء الشهداء الأبرار مع العشرات من خيرة أبناء العراق قبض السيّد الشهيد(قدس سره) على شيبته الكريمة، ورفع رأسه إلى السماء، وقال: إلهي بحقّ أجدادي الطاهرين ألحقني بهم.

الشيء الذي أعجزُ عن نقله ـ أيّها الإخوة ـ حالة السيّد ووضعه حينما قبض لحيته الكريمة، والدموع تجري من عينيه، وهو ينادي ربّه بقلب صاف: إلهي، بحقّ أجدادي الطاهرين ألحقني بهم. وكانت الدعوة مستجابة، فلم تمضِ أشهر قليلة إلّا وقد استشهد، (رضوان الله عليه).

موقف آخر في يوم من الأيّام ـ في فترة الاحتجاز ـ وفي حدود الساعة الثانية والنصف ظهراً كنت نائماً في مكتبته، إذ انتبهتُ من النوم على صوت السيّد(قدس سره)، وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فظننتُ أنّ حدثاً جديداً قد حدث، فقلت له: سيّدنا خيراً إن شاء الله؟ فقال:

كنت أنظر إلى هؤلاء الأمن ـ الذين كانوا يطوّقون منزل السيّد الشهيد ويحتجزونه ـ فرأيتهم عطاشى، والعرق يتصبّب من جباههم، فتألّمت عليهم، ووددت لو كان بوسعنا سقيهم. فقلت: سيّدي، هؤلاء المجرمون حجزونا، وروّعوا عائلتكم وأطفالكم، فقال: ابني صحيح هذا الذي تقول، ولكنّ هؤلاء ـ أيضاً ـ يجب أن نرقّ عليهم؛ لأنّ هؤلاء إنّما انحرفوا