المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

168

لايمكن تطبيق قاعدة الرجوع إلى أهل الخبرة على المقام، من دون افتراض مؤونة زائدة تكشف ببركة دليل جواز التقليد.

المقام الثاني: في أنّه لو لم يمكن تطبيق قاعدة الرجوع إلى أهل الخبرة على التقليد في الأحكام الشرعيّة ابتداءً؛ لعدم اشتراك العامّيّ للمجتهد في الحكم، فما هي النكتة التي نستكشفها من دليل التقليد في سبيل تحقّق الاشتراك في الحكم وتتميم عمليّة التقليد؟

يمكن تتميم عمليّة التقليد بجعل دليل التقليد كاشفاً عن مؤونة زائدة في المقام، وهي: تنزيل حالات المجتهد من الفحص واليقين والعلم الإجمالىّ و... منزلة ثبوتها للعامّيّ، ففحصه فحصه، ويقينه يقينه، و...

وبتعبير آخر يقال: إنّ العامّيّ فحص بوجوده التنزيليّ، وتيقّن بوجوده التنزيلىّ و... فالأحكام الظاهريّة تصبح بذلك مشتركة بين المجتهد والعامّيّ، فيفتيه المجتهد بالحكم الظاهرىّ، ويرجع إليه العامّيّ في ذلك؛ لكونه عالماً به عن خبرة. والتنزيل بالنسبة إلى موارد الحكم العقليّ ـ كالبراءة العقليّة ـ لابدّ أن يكون بمعنى جعل حكم شرعىّ مماثل للحكم العقلىّ وفي رتبته.

وتختلف الثمرة العمليّة لهذا الوجه عن القول باشتراك الحكم بين العامّيّ والمجتهد ـ بغضّ النظر عن جواز التقليد ـ من وجوه، أهمّها اثنان:

الأوّل: أنّه يسقط على هذا الوجه أهمّ أدلّة التقليد، وهو سيرة العقلاء، فإنّ سيرة العقلاء إنّما قامت على رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، ولم تقم على تلك المؤونة الزائدة، وهي تنزيل حالات المجتهد منزلة ثبوتها للعامّيّ(1).

والثاني: أنّه على هذا الوجه لايجوز للمجتهد الإفتاء، إلّا إذا أحرز جواز تقليد العامّىّ له، بأن أحرز عدالة نفسه، وعرف أنّه أعلم من غيره، أو تساويه لغيره بناءً على جواز تقليد أحد المتساويين؛ وذلك لأنّ حكمه الظاهرىّ إنّما يثبت كونه حكماً ظاهريّاً للعامّىّ بجواز تقليده الدالّ على ذاك التنزيل، فلو لم يعلم بذلك لم يعلم بكون ما يفتي به حكماً للعامّىّ كي يفتيه به، إلّا إذا أحرز موافقته في الرأي لمن يجوز له تقليده، وهذا بخلاف ما لو قلنا


(1) بل لايسقط هذا الدليل؛ لأنّ السيرة العقلائيّة في اُمورهم على التقليد تقتضي منهم الجري ـ ولو غفلة ـ على هذا المنوال في الشرعيّات.