المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

174

وأمّا إن قلنا: إنّ نفس الخبر الذي ليس له معارض في معرض الوصول، والعامّ الذي ليس له مخصّص في معرض الوصول و... حجّة، والفحص إنّما هو للكشف عن صغرى الحجّة، فالإشكال في ذلك مرتفع؛ فإنّ المجتهد يكشف بالفحص عمّا هو حجّة عليه وعلى العامّىّ.

فتحصّل: أنّ المسلك الأوّل إن تمّ فإنّما يتمّ في الجملة، ونحن نحتاج غالباً إلى الرجوع إلى غيره من المسالك.

بقي في المقام شيء، وهو: أنّ ما ذكرناه من الإشكال في عمليّة الاستفتاء: من أنّ الحكم الظاهرىّ ـ ابتداءً وقبل جواز التقليد ـ مختصّ بالمجتهد، أمر مغفول عنه في أذهان عامّة الناس من المجتهد والعامّىّ، فالمرتكز هو: أنّ ما يستنبطه المجتهد يكون من أوّل الأمر مشتركاً بينه وبين العامّىّ، ومن هنا يمكن أن يدّعى: أنّ مقتضى الإطلاق المقامىّ للأدلّة اللفظيّة للتقليد إمضاء ما في أذهانهم، بمعنى: أنّ الشارع جعل حكماً ظاهريّاً موحّداً للمجتهد والعامّىّ بحيث يترتّب عليه آثار الاشتراك الابتدائىّ.

وتوضيح ذلك: أنّنا تارة نفترض أنّ الدليل اللفظىّ للتقليد دلّ على رجوع العامّىّ إلى المجتهد في حكمه لنفس المجتهد، وهذا يعني: أنّ حكم العامّىّ هو عين حكم المجتهد، وعليه لايوجد في المقام إطلاق مقامىّ لدليل التقليد؛ فإنّه يكفي لكون حكم العامّىّ عين حكم المجتهد ما بيّنّاه في المسلك الرابع: من أنّ التقليد في كلّ مسألة ينقّح موضوع التقليد في مسألة اُخرى. وإن لم يتمّ هذا المسلك، دلّ دليل التقليد رأساً بدلالة الاقتضاء على مسلك التنزيل الذي يوحّد حكم العامّىّ مع حكم المجتهد، وبذلك ينتهي الحديث.

واُخرى نستظهر من الدليل اللفظيّ للتقليد رجوع العامّىّ إلى رأي المجتهد بشأن العامّىّ، لا رجوعه إلى رأي المجتهد بشأن نفسه، وعندئذ يقال: إنّ ظاهر قوله: «رأي المجتهد بشأن العامّىّ حجّة للعامّيّ» هو: أنّ موضوع هذا الحكم بالحجّيّة هو رأي المجتهد بشأن العامّىّ المفروض وجوده بقطع النظر عن هذا الحكم، لاالمتوقّف وجوده على نفس هذه الحجّيّة(1)، وهنا لايمكن حلّ الإشكال بالانتقال مباشرة إلى التنزيل بدلالة الاقتضاء


(1) لايبعد أن يقال: إنّ هذا البيان إنّما يتمّ بعد فرض عدم تماميّة المسلك الرابع، ولايقاوم المسلك الرابع؛ فإنّ ظهور دليل التقليد في كون الحكم الذي وقع موضوعاً للحجّيّة ثابتاً بشأن العامّىّ قبل التقليد، ليس بأكثر ممّا هو محفوظ في ضمن المسلك الرابع الذي يحلّ التقليد الواحد إلى عدّة تقاليد، ويكون كلّ تقليد سابق محقّقاً لموضوع التقليد اللاحق ومثبتاً ـ قبل التقليد اللاحق ـ للحكم الذي هو مصبّ التقليد اللاحق، وكان الحكم في مورد التقليد الأوّل مشتركاً بينهما قبل التقليد أيضاً، إذن فالمسلك الرابع لايبطل بهذا الوجه، ولانستطيع أن نستفيد ببركة هذا الوجه فوائد المسلك الأوّل أو الثاني.