المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

179


التي أمكن تفنيدها بأقلّ التفات:

والوجه الأوّل: أن يقال: إنّ تقليد العامّىّ للمجتهد في الأحكام الظاهريّة ينحلّ في واقعه إلى عدّة تقاليد شبيهاً بما يقال في الأخبار مع الواسطة، فالتقليد في كلّ مسألة سابقة يثبت موضوع الحكم الظاهرىّ في المسألة اللاحقة:

فمثلاً: إذا علم المجتهد بأحد حكمين إلزاميّين، قلّده العامّىّ في ذلك، وثبت له ما هو بمنزلة العلم بأحدهما،أي: قامت الحجّة له على أحد الحكمين، فيفتيه المجتهد ـ عندئذ ـ بوجوب الاحتياط. ولو علم المجتهد بنجاسة الماء المتغيّر بملاقاة النجس، كان ذلك حجّة للعامّىّ على نجاسته، فيثبت بشأنه الاستصحاب عند زوال التغيّر، فيفتيه ببقاء النجاسة استصحاباً. وإذا فحص المجتهد عن المعارض ونفاه، قلّده العامّىّ في ذلك، فثبت له بالحجّة عدم المعارض، وهذا عبارة اُخرى عن فحصه عن عدم المعارض، فأصبح ذاك الخبر حجّة له، فيفتيه المجتهد بحجّيّة ذاك الخبر... وهكذا.

الوجه الثاني: لو لم نقبل بالتحليل الذي مضى؛ وذلك بدعوى: أنّ العامّىّ لايلتفت أصلاً إلى هذا التحليل حتّى تتمّ في قرارات نفسه عدّة تقاليد مترتّبة، فلم يتمّ بذلك تطبيق قانون الرجوع إلى أهل الخبرة على التقليد في الشرعيّات في الأحكام الظاهريّة، كفتنا غفلة الناس عن هذا الإشكال وتطبيقهم ذلك على الأحكام الظاهريّة في الشرعيّات؛ إذ لو لم ترض الشريعة بذلك، لكان عليها أن تردع العقلاء عن تطبيقهم هذا القانون على الفقه بلحاظ الأحكام الشرعيّة ولم تفعل، وهذا معناه: رضا الشريعة بهذه الغفلة وبهذا التطبيق غير الصحيح، فبهذا يصحّ التقليد في جميع الموارد الفقهيّة. ويثبت بذلك: أنّ التقليد المشرَّع في الشريعة الإسلاميّة لايشترط فيه رجوعه دائماً إلى قانون الرجوع إلى أهل الخبرة.

الوجه الثالث: أن يقال: إنّ دليل التقليد ليس منحصراً في السيرة العقلائيّة، بل لدينا نصوص كثيرة تدلّ على التقليد: من قبيل قوله: «أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم» الوسائل، ب 11 من صفات القاضي، ح 33. وقوله: «أما لكم من مفزع؟! أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟! ما يمنعكم من حارث بن المغيرة النصرىّ؟!» المصدر نفسه، ح 24. وقوله: «شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريّا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا» المصدر نفسه، ح 27. وغير ذلك من الروايات.

فهذه النصوص دلّت على تقليد الفقيه في جميع الأحكام الشرعيّة الواقعيّة والظاهريّة؛ وبهذا نفهم أنّه لايشترط في التقليد في الشريعة الإسلاميّة رجوعه بالدقّة إلى قانون الرجوع إلى أهل الخبرة.

الوجه الرابع: أن يقال: كما أنّ العامّىّ مشترك مع الفقيه في الأحكام الواقعيّة، فرجوعه إليه فيما قطع به من الأحكام الواقعيّة رجوع إلى أهل الخبرة كذلك هو مشترك معه في الأحكام الظاهريّة، وطبعاً لايفتي الفقيه بحكم ظاهرىّ إلّا إذا حصل له القطع بذلك، فرجوع العامّىّ إليه رجوع إلى أهل الخبرة بلاحاجة إلى تحليل التقليد إلى عدّة تقاليد، وبلاحاجة إلى إخراج التقليد من مساره المفهوم عقلائيّاً: من كونه رجوعاً إلى أهل الخبرة بدعوى إطلاق في روايات التقليد، أو بدعوى إمضاء السيرة العقلائيّة برغم خطئها.

والوجه في ذلك: أنّ موضوع الحكم الظاهرىّ والذي يتخيّل عدم توفّره بشأن العامّىّ: إمّا هو عبارة عن الفحص عن المعارض أو المخصّص أو المقيّد أو الحكم أو الوارد على الأمارات، في حين أنّه ليس الفحص