المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

189


ذكر(رحمه الله) أنّه هو النقض الأوّل من النقوض السبعة لاُستاذه.

وإليك النقوض السبعة مع أجوبتها:

الأوّل: أنّنا لو شككنا في تكليف ما مع احتمال أنّ الشارع أوجب علينا الاحتياط بالنسبة إليه، جرت البراءة عن وجوب الاحتياط.

والجواب: أنّ نفس التكليف الواقعىّ الذي لم يتنجّز لابوصوله بنفسه ولابوصول دليل احتياطه، تجري عنه البراءة، وتغنينا من إجراء البراءة عن وجوب الاحتياط، بل البراءة عن الواقع حاكمة على البراءة عن الاحتياط، لأنّها دليل اجتهادىّ على عدم وجوب الاحتياط، فيتقدّم على البراءة عن وجوب الاحتياط التي هي أصل عملي (1).

الثاني: إذا قامت الأمارة المحتملة الخطأ على حكم إلزامىّ في شيء معيّن، ثمّ وقع الاشتباه بينه وبين شيء آخر، فحصل العلم الإجمالىّ بأحد الشيئين بلحاظ الحكم الظاهرىّ، جرت أصالة الاحتياط بهذا اللحاظ.

والجواب: أنّ تلك الأمارة أسقطت الاُصول المؤمّنة بالنسبة إلى الواقع، فكان احتمال الواقع في كلّ واحد من الطرفين احتمالاً للواقع المنجّز، فيجب الاحتياط فيه بلحاظ نفس الواقع.

الثالث: إذا قامت الأمارة المحتملة الخطأ على حكم إلزامىّ، وشككنا في أنّها هل قامت على الوجوب أو على الحرمة، فقد دار الأمر بين المحذورين ظاهراً، والأصل الجاري فيه يجري بلحاظ هذا الظاهر.

والجواب: أنّنا إن قلنا: إنّ قيام الدليل على حكم إلزامىّ مع التردّد في أنّه هل قام على الوجوب، أو على الحرمة غيرُ كاف في البيان، وغيرُ مانع عن البراءة، جرت البراءة فيما نحن فيه بلحاظ الواقع؛ إذ لم يتمّ البيان بالنسبة إليه.

وإن قلنا: إنّ هذا كاف في البيان وتنجيز الواقع، وإنّ الأصل الجاري في المقام إنّما هو أصالة التخيير، لا البراءة، إذن فاحتمال التكليف الواقعىّ المنجّز موجود في كلا الطرفين من الفعل والترك، وعليه فكما أنّ الأمر مردّد بين المحذورين بالنسبة إلى الواقع في مورد القطع بدورانه بين الوجوب والحرمة ـ بلحاظ أنّ ارتكاب كلّ واحد من الطرفين موجب لاحتمال مخالفة تكليف منجّز ـ كذلك الحال في المقام؛ إذ نفس الاحتمال موجود فيما نحن فيه في كلّ واحد من الطرفين بلحاظ الواقع، وتجري أصالة التخيير بلحاظ الواقع.

وهنا أفاد الاُستاذ الشهيد(قدس سره) كلاماً مستقلّاً غير ما دار بينه وبين اُستاذه في تلك المباحثة، وهو: أنّنا حتّى لو قلنا بجريان البراءة الشرعيّة فيما لو حصل القطع بإلزام واقعىّ مردّد بين الوجوب والحرمة، أو قامت الأمارة على الجامع بينهما، لاتجري البراءة عند ما قامت الأمارة على حكم إلزامىّ معيّن، ثمّ اشتبه بين الوجوب والحرمة؛ لأنّ تلك الأمارة القائمة على أحدهما بالخصوص حاكمة على البراءة ومانعة عن جريانها(2).

الرابع: إذا صلّى بطهارة استصحابيّة، وشكّ بعد ذلك في الركوع مثلاً، جرت بشأنه قاعدة الفراغ؛ لتصحيح الصلاة، مع أنّ صحّة صلاته من أوّل الأمر لم تكن إلّا صحّة ظاهريّة؛ لأنّ طهارته استصحابيّة بحسب الفرض.

والجواب ـ بغضّ النظر عن أنّ هذا خروج عن المقام؛ لأنّ الكلام في الاُصول الجارية في الشبهات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بناءاً على مبنى القوم من حكومة الأمارة على الأصل الموافق لها.

(2) هذا بناءً على تصوير الحكومة على أساس أنّ الأمارة علمٌ اعتباريّ أو تنزيليّ.