المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

192

المؤمّنة، كما لو قامت البيّنة على نجاسة أحد شيئين، فوجب الاجتناب من كليهما احتياطاً للعلم الإجماليّ، فهذا لايعني أنّ قيام البيّنة صار ـ بما هو ـ موضوعاً لوجوب الاحتياط، بل يعني: أنّ قيام البيّنة أسقط الاُصول المؤمّنة، وبقي احتمال الواقع بلا معذّر، فوجب الاحتياط فيه عقلاً.

وأمّا البراءة الشرعيّة، فسيأتي ـ إنْ شاء الله ـ أنّها في الحقيقة رفع لإيجاب الاحتياط الشرعىّ، إذن فموضوعها عين موضوعه.

وأمّا البراءة العقليّة، فهي عبارة عن قبح العقاب بلا بيان، والعقاب إنّما هو بلحاظ الواقع لا بلحاظ الحكم الظاهرىّ الذي هو طريق محض.

وإن شئت قلت في باب البراءة، شرعيّة كانت أو عقليّة: إنّها لو جرت بلحاظ الحكم الظاهرىّ، تساءلنا عن الحكم الواقعىّ، هل جرت بلحاظه البراءة أيضاً، أو لا؟ فإن لم تجر البراءة بلحاظ الواقع، وكان احتمال العقاب على مخالفة الواقع قائماً، فأىّ فائدة في إجراء البراءة عن الحكم الظاهرىّ عند ما لابدّ له من الاحتياط اتّجاه الحكم الواقعىّ؟!

وإن جرت البراءة بلحاظ الواقع، وأصبح مأموناً عن العقاب عليه، فأىّ حاجة تبقى للعبد إلى البراءة عن الحكم الظاهرىّ بعد أن أصبح مأموناً عن العقاب على الواقع، والحكم الظاهرىّ لاعقاب عليه؟!

وأمّا الأمارات والاُصول التنزيليّة، فقد يكون الشكّ في الحكم الظاهرىّ موضوعاً لها، كما لو دلّ الاستصحاب على بقاء حجّيّة خبر الواحد، أو دلّ ظاهر الكتاب على حجّيّته مثلاً، ولكنّ ذلك منجّز للواقع رأساً، وليس منجّزاً أوّلاً للحكم الظاهرىّ كي يسري ـ بعد ذلك ـ التّنجيز منه إلى الواقع، ولذا لو فرضنا أنّه ثبتت بظاهر الكتاب أو بالاستصحاب حجّيّة خبر الواحد القائم على وجوب صلاة الجمعة مثلاً، في حين أنّه لم يكن في الواقع خبر الواحد حجّة، وكانت صلاة الجمعة في الواقع واجبة، وتركها المكلّف برغم ثبوت وجوبها له ظاهراً، كان مستحقّاً للعقاب على المعصية، لاعلى صرف التجرّي؛ وذلك لأنّه خالف الواقع بلا عذر، في حين أنّه لو كان التنجيز ثابتاً على الحكم الظاهرىّ كي يسري