المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

200

وجود مجتمع عقلائىّ وعدمه. وهذا يعني المصادرة على المطلوب.

ويرد على الثاني: أنّ المقصود بكون القطع حجّة ببناء العقلاء حفظاً للنظام الاجتماعىّ ليس هو دخل متعلّق الأمر في نظمهم، كي يقال: إنّ هناك أوامر غير دخيلة في النظم الاجتماعىّ، بل المقصود به: أنّ العقلاء رأوا أنّ في نفس التزامهم بأوامر رئيسهم مصلحة اجتماعيّة، ولو قطعوا في بعض أوامر الرئيس بأنّه أخطأ ـ مثلاً ـ في إصدار هذا الأمر، وأنّ متعلّقه لم يكن ذا مصلحة اجتماعيّة، فالمصلحة الاجتماعيّة في نظر العقلاء إنّما هي في نفس التقيّد بأوامر الرئيس.

والصحيح: أنّ استنتاج حجّيّة القطع من قاعدة حسن العدل وقبح الظلم في غير محلّه، سواء فسرّت القاعدة بالمبنى الأوّل، أو بالمبنى الثاني.

بيان ذلك(1): أنّ الظلم عبارة عن سلب ذي الحقّ حقّه، والعدل عبارة عن إعطائه إيّاه وعدم سلبه عنه، فلابدّ أن يفترض في المرتبة السّابقة حقّ، كي يقال: إنّ سلبه ظلم، وهذا الحقّ هنا عبارة عن حقّ المولويّة، فلو لم نفترض الآمر مولىً، لم يكن القطع منجّزاً أو معذّراً كما هو واضح. فإن كان المقصود من الاستدلال على حجّيّة القطع بقبح الظلم وحسن العدل إثبات مولويّة المولى بذلك، كان هذا دوراً واضحاً؛ فإنّ كون العمل بالقطع عدلاً ومخالفته ظلماً فرع مولويّة المولى، فلايمكن إثبات مولويّته بذلك.

وإن كان المقصود إثبات حجّيّة القطع بأمر المولى بعد فرض مولويّته في المرتبة السابقة، ورد عليه: أنّه بعد فرض مولويّة المولى فيما نقطع به من أحكامه تثبت الحجّيّة للقطع بلا حاجة إلى قاعدة حسن العدل وقبح الظلم التي يكون جريانها في طول المولويّة؛ فإنّ مولويّة المولى تعني: لزوم إطاعة أمره، وقد قطعنا بتحقّق الأمر بحسب الفرض.

وبكلمة اُخرى: أنّ حجّيّة القطع بمعنى التنجيز والتعذير ليست إلّا عبارة عما تتحقّق كبراها بفرض مولويّة المولى، وصغراها بنفس القطع بحكم المولى، وتكفي في ثبوت النتيجة تماميّة الصغرى والكبرى، ولو قطع العبد بحكم مولاه ومع ذلك لم يطعه، لم يكن له عذر إلّا أحد أمرين:


(1) ذكر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في خارج مجلس البحث: أنّ أصل قاعدة حسن العدل وقبح الظلم قضيّة ضروريّة بشرط المحمول، ووضّح ذلك بما يقرب من نفس هذا البيان، ونحن لم نتعرّض لتوضيح ذلك هنا اعتماداً على ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ مفصّلاً في بحث الحسن والقبح العقليّين حيث تعرّض له اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في بحثه هناك.