المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

206

وحده لتحريك العبد نحو الامتثال، أو لا؟ وإن قلنا بتنجيزيّة حقّ الطاعة، لم يمكن ذلك(1).

وإن فرضنا تعلّق الغرض بطبيعىّ الفعل من دون نظر إلى صدوره بالتحريك الشخصىّ، أو التحريك المولوىّ، فهنا لايعقل الردع؛ لأنّ ردعه عن العمل بالقطع: إمّا أن يكون بالحكم النفسيّ، أو يكون بالحكم الطريقىّ:

أمّا الردع بالحكم النفسىّ، فغير معقول؛ لوقوع المضادّة بينه وبين الواقع من حيث المبادئ، وإنّما نحلّ هذا الإشكال في باب الجمع بين الحكم الظاهرىّ والواقعىّ باعتبار طريقيّة الحكم الظاهرىّ، وكونه ناشئاً بملاك التحفّظ على الواقع لابملاك نفسىّ، أمّا لو قيل: إنّ الحكم الظاهرىّ حكم نفسىّ، فلامفرّ من هذا الإشكال(2).


(1) الواقع: أنّ إسقاط حقّ الطاعة في المقام أو تعليقيّة حقّ الطاعة على عدم الإسقاط معقول بمعنى إسقاط الإلزام على نفس النسق المعقول في المستحبّات.

وتوضيح ذلك: أنّ هنا إشكالاً في تصوير الأمر غير الإلزامىّ الصادر عن المولى في المستحبّات، وهو: أنّه لماذا يجعل المولى أمره غير إلزامىّ؟ والجواب عنه (بأنّه إنّما جعله غير إلزامىّ لعدم بلوغ غرضه في الأهمّية إلى مستوى الإلزام) ربّما لايكفي في دفع الإشكال جذريّاً؛ إذ قد يقول القائل:

إنّ غرض المولى مهما كان ضئيلاً، فما دام تحقّقه خيراً من عدمه لاداعي لجعل الأمر به غير إلزامىّ، فلابدّ من تعميق الجواب بأن يقال:

إنّ غرض المولى قد تعلّق بالفعل، ومهما فرض ضئيلاً، ومعارضاً لمصلحة التسهيل مثلاً، فالمفروض أنّ الصعوبة الموجودة في الفعل على العبد لم تسقط الفعل ـ بالكسر والانكسار فيما بين المصالح ـ عن المحبوبيّة لدى المولى، وإلّا لما كان مستحبّاً أيضاً، ولكن يوجد في مقابل هذا الغرض غرض آخر للمولى متعلّق بعدم كون الأمر ملزماً، وهو غرض التسهيل، لابمعنى السهولة العمليّة للعبد بأن يترك الفعل لكون الترك أسهل من الفعل، بل بمعنى إعطاء الحرّيّة للعبد وعدم التضييق عليه بالإلزام، فالغرض الذي أوجب الأمر كامن في الفعل، والغرض الذي أوجب جعل الأمر غير إلزامىّ ليس كامناً في الترك كي يزاحم الغرض الأوّل ويسقطه، وإنّما هو كامن في كون العبد حرّاً في تصرّفه وعدم شعوره بالإلزام المولوىّ واللابدّيّة العقليّة، والجمع بين الغرضين يكون بإصدار الأمر غير الإلزامىّ، وما نحن فيه من هذا القبيل، فللمولى غرض متعلّق بالفعل، وفي نفس الوقت له غرض متعلّق بكون العبد حرّاً في تصرّفه، وأن لايشعر بالإلزام المولوىّ واللابدّيّة العقلّية، إلّا أنّه ليس هنا لأجل مصلحة التسهيل، وإنّما هو لأجل معرفة مدى تحرّك العبد بتحريك الحبّ وحده للمولى مثلاً، فالمولى ـ عندئذ ـ يصدر الأمر، ويجعله غير إلزامىّ، ويسمّى ذلك باسم إسقاط حقّ الطاعة، أو بأىّ اسم آخر.

(2) سيأتي في محله ـ إن شاء الله ـ أنّه بناءً على نفسيّة الحكم الظاهرىّ قد يدفع التضادّ بين المبدءين بافتراض أنّ الأمارة ليست سبباً لحدوث الملاك في نفس مصبّ ملاك الواقع، كي يقع التضادّ بينهما، بل هي سبب لحدوث الملاك في عنوان الانقياد.

إلّا أنّ هذا الوجه سواء تمّ هناك أو لم يتمّ لايعقل تطبيقه على المقام، إلّا بأن يحوّل إلى القول بأنّ ملاك الردع كامن في عدم الانقياد لمولويّة المولى، بمعنى عدم ثقل الكاهل بحقّ الطاعة، وهذا رجوع إلى الفرض الأوّل، وهو فرض تعلّق الغرض بحصّة خاصّة من الفعل، وهي: الحصّة التي لم تنشأ من التحريك المولوىّ.