المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

207

وأمّا الردع بالحكم الطريقىّ، فغير ممكن؛ لأنّ الحكم الطريقىّ لايمكن أن يتنجّز على المكلّف بنفسه، وإنّما دوره هو دور تنجيز ما هو طريق إليه من الحكم الواقعىّ، والمفروض في المقام أنّ المكلّف قاطع بعدم وجود حكم واقعىّ يناسب تنجيزه بهذا الردع، فلايبقى أثر لهذا الحكم الطريقىّ.

وتوضيح ذلك:

أنّ الردع عن حجّيّة القطع بحكم طريقىّ لايخلو عن أحد فروض ثلاثة:

الأوّل: أن يفرض أنّ قطع المكلّف قد تعلّق بالإباحة، وأنّ المولى أراد ردعه عن حجّيّة القطع بإلزامه بفعل ما قطع بعدم وجوبه، أو ترك ما قطع بعدم حرمته؛ وذلك بملاك أنّ العبد يخطأ في بعض الأحيان في قطعه بالإباحة وعدم الإلزام؛ فحفاظاً على ملاك الواقع الكامن في موارد خطأ العبد حكم بعدم حجّيّة قطعه بنفي الإلزام حكماً طريقيّاً.

ويرد عليه: أنّ هذا الحكم الطريقىّ لا أثر له؛ إذ إنّه لايقبل التنجيز؛ لكونه طريقيّاً، ولايؤثّر في تنجيز الواقع؛ لأنّ المكلّف قاطع بعدمه.

فتبيّن: أنّ الردع عن معذّريّة القطع غير معقول بخلاف الردع عن معذّريّة الشكّ، فالردع عن معذّريّة الشكّ يكون بإيجاب الاحتياط إيجاباً طريقيّاً، أمّا الردع عن معذّريّة القطع لا يمكن أن يكون بحكم نفسىّ، ولابحكم طريقىّ، أمّا الأوّل، فلأنّه يؤدّي إلى التضادّ بين المبادئ، وأمّا الثانىّ، فلما قلنا: من أنّ هذا الحكم الطريقىّ لايقبل التنجيز؛ لكونه طريقيّاً، ولايؤثّر في تنجيز الواقع؛ لفرض القطع بعدمه.

الثاني: أن يفرض أنّ قطع المكلّف تعلّق بالإلزام، وأنّ المولى أراد إسقاط حجّيّة القطع بحكم طريقىّ؛ لعلمه بأنّ العبد قد يخطأ في قطعه، فيحصل له القطع بالإلزام في مورد لايوجد فيه الإلزام، ويفترض أنّ في التزام العبد بما تخيّله في موارد الخطأ من الإلزام مفسدة أكبر من المصلحة الكامنة في موارد عدم الخطأ، وهي مفسدة بروز الشريعة على شكل شريعة صعبة وغير سمحة مثلاً؛ فحذراً من هذه المفسدة الواقعيّة حكم المولى حكماً طريقيّاً بالردع عن حجّيّة قطع العبد بالإلزام.

ويرد عليه: أنّ هذا الحكم الطريقىّ لا أثر له؛ فإنّ هذا الترخيص في مخالفة القطع ترخيص اضطرارىّ بملاك التزاحم بين المصلحة في مورد والمفسدة في مورد آخر،