المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

210

نفسه، وليس حجّة في مقام الحكم.

أمّا الدعوى الاُولى: وهي دعوى السيرة على قاعدة العدل والإنصاف في مقام فصل الخصومة، فإن ثبتت، لم تفدنا شيئاً؛ لأنّ هذه السيرة مردوعة بإطلاق الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ القضاء إنّما هو بالبيّنات والأيمان، فإنّها ناظرة إلى إسقاط كلّ ما يجعل فاصلاً للخصومة عدا البيّنة واليمين عن درجة الاعتبار، فلايمكن إثبات جواز فصل الخصومة بشيء آخر، إلّا بالنصّ الخاصّ، لا السيرة العقلائيّة(1).

وعلى أيّ حال، فلاحاجة لنا في باب فصل الخصومة إلى هذه السيرة؛ لدلالة النصّ الخاصّ على قاعدة العدل والإنصاف فيه، حيث ورد في فرض تعارض البيّنتين وعدم مرجّح لأحدهما على الاُخرى الحكمُ بالتنصيف(2).

ومقتضى الجمود على اللفظ هو الاقتصار في فصل الخصومة بهذه القاعدة على خصوص فرض تعارض البيّنتين المتساويتين، دون ما لم تكن هناك بيّنة أصلاً، لكن الظاهر عرفاً من الكلام: أنّ الحكم بالتنصيف يكون بنكتة أنّ البيّنتين بعد التعارض وعدم المرجّح كالعدم، فتتّجه حجّيّة هذه القاعدة في مقام فصل الخصومة حتّى مع عدم وجود البيّنة.

وأمّا الدعوى الثانية: وهي دعوى قيام السيرة على حجّيّة قاعدة العدل والإنصاف في نفسها، فهي ممنوعة بكلا جانبيها التكليفىّ والوضعىّ.

والحاصل: أنّ السيرة إن سلّمت، فإنّما تسلّم في مورد فصل الخصومة، ولاحاجة إليها هناك؛ للردع أوّلاً، وللنصّ الخاصّ ثانياً، ولاتسلّم في غير باب فصل الخصومة.


(1) قد يفسّر قوله: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» على وفق مناسبات الحكم والموضوع بحصر أدلّة تشخيص الحقّ في باب الترافع بالبيّنة والأيمان، في حين أنّ قاعدة العدل والإنصاف لا تستعمل لتشخيص الحقّ، بل تستعمل بعد فرض تردّد الحقّ بين من يقسّم المال عليهم بالعدل والإنصاف.

(2) من قبيل ما ورد عن غياث بن إبراهيم بسند تامّ عن أبي عبد الله(عليه السلام)، «أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دا بّة، وكلاهما أقام البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للذي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (الوسائل ج 18 باب 12 من كيفية الحكم، ح 3 ص 182) إلّا أنّه يوجد بهذا الصدد ـ أيضاً ـ ما دلّ على القرّعة، كما ورد بسند تامّ عن سماعة، قال: «إنّ رجلين اختصما إلى عليّ(عليه السلام) في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت على مذوده، وأقاما كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة... إلى أن قال: فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها» (المصدر نفسه ج 12 ص 185).