المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

211

ونقول بعنوان بيان نكتة الفرق (إن وجدت سيرة في باب الخصومة)، لابعنوان إقامة البرهان: إنّ الفارق بين باب الخصومة وغيره هو: أنّ في ذاك الباب كان المطلوب فصل الخصومة ورفعهما، والتنصيف يصلح لذلك، فقامت السيرة على التنصيف. وهذا بخلاف فرض عدم الخصومة.

يبقى الكلام فيما هو الحكم بالنسبة إلى هذا المال في غير باب الخصومة، فنقول: تارة يفرض الكلام فيما هو حكم الشخص الثالث الذي بيده هذا الدرهم المردّد مالكه بين شخصين.

واُخرى يفرض الكلام بالنسبة إلى نفس الشخصين اللذين تردّد المال بينهما.

أمّا الكلام بالنسبة إلى الشخص الثالث، فقد يقال: إنّه يجب على هذا الودعيّ إيصال الدرهم إلى مالكه؛ لأدلّة وجوب ردّ الأمانات إلى أهلها. وعليه يدور أمره بين الموافقة الاحتماليّة المقرونة بالمخالفة الاحتماليّة، وذلك بإيصال الدرهم إلى أحد الشخصين، وبين الموافقة القطعيّة في نصف الدرهم المقرونة بالمخالفة القطعيّة في النصف الآخر، وذلك بالتنصيف. وهنا يمكن أن يقال بلزوم اختيار الشقّ الأوّل؛ لوجهين:

الوجه الأوّل: ما هو المختار في سائر موارد العلمين الإجماليّين: من أنّه إذا دار الأمر بين الموافقة القطعيّة لأحدهما المقرونة بالمخالفة القطعيّة للآخر، وبين الموافقة والمخالفة الاحتماليّتين لهما، تعيّن الثاني؛ لأنّ العلم الإجمالىّ علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة، دون وجوب الموافقة القطعيّة؛ وذلك بنكتة تعلّق العلم بالجامع، فيجب امتثاله، ويكفي في إيجاد الجامع إيجاد أحدهما(1).

ويرد عليه: أنّ تعلّق العلم بالجامع الذي نسبته إلى كلا الطرفين على حدّ سواء إنّما هو فيما نسمّيه بالعلم الإجمالىّ البسيط، كما لو علمنا إجمالاً بوجوب الظهر أو الجمعة. أمّا فيما نسمّيه بالعلم الإجمالىّ المعقّد، وهو ما علم فيه بتعلّق التكليف بالشيء بالإضافة إلى


(1) لعلّ مقصوده (رضوان الله عليه) من كون المختار علّيّة العلم الإجمالىّ لحرمة المخالفة القطعيّة، كونه مختاراً له على المبنى المشهور: من علّيّة البيان للتنجيز ولو كان إجماليّاً، وإلّا فسيأتي منه أنّ المختار ـ بناءً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ هو اقتضاء العلم الإجماليّ البسيط حرمة المخالفة القطعيّة فحسب، ووجوب الموافقة القطعيّة ـ أيضاً ـ في العلم الإجماليّ المعقّد. وبناءً على إنكار تلك القاعدة يكون مقتضياً لحرمة المخالفة القطعيّة، ولوجوب الموافقة القطعيّة مطلقاً.