المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

213

إيصال المال إلى المالك، فلادليل عليه سوى أمرين:

أحدهما: قاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي.

والصحيح: أنّ عمدة الدليل عليها هي السيرة العقلائيّة، وهي لاتقتضي فيما نحن فيه أكثر من التخلية بالشكل الذي أشرنا إليه.

وثانيهما: دليل وجوب ردّ الأمانات إلى أهلها.

والتحقيق: أنّه ليس المستفاد منه عرفاً لزوم الإيصال؛ ولذا لم يفت الفقهاء بأنّه يجب على الأمين حمل المال إلى باب دار صاحبه، وإنّما قالوا بوجوب التخلية عليه، وهذا هو المفهوم عرفاً من دليل ردّ الأمانات. والتخلية بين المال والمالك ـ بمعنى رفع المانع من ناحية نفسه عن أخذ المالك ـ تحصل برفع الحاجب بين المال وكلا هذين الشخصين.

نعم، لايحصل بذلك رفع مانع احتمال مالكيّة ذاك الشخص الآخر الذي ليس في الحقيقة مالكاً، لكنّه لايقدر على رفع هذا المانع حتّى يجب عليه، إلّا بأن يقرّ بعدم مالكيّة الشخص الآخر، فيكون إقراره حجّة من باب حجّيّة إقرار ذي اليد، ولكن لايجوز له هذا الإقرار؛ لفرض كونه شاكّاً. بل لو فرض إمكان رفع هذا المانع، لم يجب ـ أيضاً ـ رفعه؛ إذ دليل وجوب ردّ الأمانات إلى أهلها لايدلّ على وجوب التخلية بمعنىً يشمل ذلك، وإنّما يدلّ على وجوب التخلية بمعنى رفع المانع من قبله فقط(1).

وأمّا الكلام بالنسبة إلى من تردّد بينهما المال: فلو أرادا الصلح، أو رفع أحدهما أو كلاهما اليد عن المال، فلاكلام، وإلّا فإن كان كلّ منهما يدّعي القطع بأنّه المالك، خرجت


(1) بل الظاهر: أنّ المفهوم منه أكثر من هذا، فلو كان يعلم أنّ هذا المال لزيد، وليس لعمرو، لم يكن يكفي بأن يخلّي بين هذا المال وبينهما، ويبقيهما حائرين بشأن هذا المال، بل كان عليه أن يشهد بالواقع. وشأن السيرة العقلائيّة على قاعدة اليد ـ أيضاً ـ كذلك.

نعم، في خصوص ما نحن فيه ـ باعتباره غير قادر على شهادة من هذا القبيل إلّا بأن يشهد بغير علم ـ لايفهم عرفاً من دليل وجوب ردّ الأمانات إلى أهلها وجوب الشهادة بغير علم عليه، فيكتفي بالتخلية بين المال وبينهما.

نعم، لو كان كلّ منهما مصمّماً على أن يستأثر بالمال، فالتخلية بين المال وبينهما (لا بينه وبين المالك) إيجاد للحاجب عن المال، ومعه لاتتمّ التخلية الواجبة في الحالات الاعتياديّة، لكن في فرض الشكّ والتردّد بينهما لادليل على وجوب التخلية بالمعنى الشامل؛ لعدم إيجاد حاجب من هذا القبيل، لامن السيرة العقلائيّة، ولامن دليل ردّ الأمانات إلى أهلها. أمّا السيرة العقلائيّة، فلعدم ثبوتها على ذلك في مثل المقام، وأمّا دليل ردّ الأمانات، فهو ـ أيضاً ـ ينصرف عن ذلك في مثل المقام بالمناسبات العقلائيّة.