المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

242

معلولين للحكم، ثُمّ نشأ منهما الحكم، لزم أن يصبح المعلول علّة لعلّته، وهذا هو الدور؛ إذ من الواضح أنّ الحكم الذي يفترض معلولاً للحسن والقبح حكم جديد غير الحكم الذي يفترض أنّ الحسن والقبح وقعا في سلسلة معلولاته، فلا دور، فالظاهر أنّ مدرك هذه القاعدة هو لزوم التسلسل، أو لزوم عدم المحرّكيّة، وقد عرفت الجواب عن كلا الإشكالين.

وقد يقال لإثبات محذور عدم المحرّكيّة: إنّنا لا نتصوّر اختلافاً في مراتب الظلم، فلو سلّم ذلك أمكن تصوير عدم المحرّكيّة للحكم الجديد حينما يكون القبح معلولاً للحكم؛ وذلك لأنّ الحكم الأوّل المفترض كاف في أن تكون مخالفته ظلماً، ولا يتأكّد ذلك بحكم جديد؛ لأنّنا لانتصوّر اختلافاً في مراتب الظلم، فلا محركيّة ـ إذن ـ للحكم الجديد، وهذا بخلاف ما لو كان القبح واقعاً في سلسلة العلل كقبح الغصب مثلاً؛ إذ إنّ الظلم هناك ليس ظلماً للمولى، بل هو ظلم لشخص آخر، فأثر الحكم هو أن تصبح المخالفة ظلماً للمولى، والظلم الأوّل إذا كفى لاستحقاق العقاب ـ لما يقال مثلاً: من أنّ ارتكاب القبيح موجب للذمّ، وذمّ كلّ شخص بحسبه، وذمّ المولى عقابه ـ فهذا لا يمنع عن تأثير حكم المولى في المحرّكيّة؛ وذلك لأنّ الظلم الأوّل ظلم لغير المولى، والظلم الثاني ظلم للمولى، فهما ظلمان لشخصين، فقد يدّعى أنّ ما افترضناه من عدم قبول الظلم للاشتداد إنّما هو بشأن شخص واحد، أمّا لو كان العمل الواحد ظلماً لشخصين، فلا شكّ أنّ ظلم شخصين أشدّ من ظلم شخص واحد.

وهذا البيان لو تمّ فإنّما يتمّ بلحاظ التفصيل بين القبح الذي يكون معلولاً للحكم، والقبح الذي يكون راجعاً إلى ظلم العباد، ولا يتمّ بلحاظ القبح الذي يقع في سلسلة العلل، ولكنّه يعتبر ظلماً بشأن المولى، كالسجود بعنوان الاستهزاء بالله، أو كما يقال في التشريع؛ وذلك لأنّه في هذا الفرض سيكون كلا الظلمين ـ أيضاً ـ راجعين لشخص واحد، وهو المولى، فلا يتصوّر فيه الاشتداد، فإن كان القبح الأوّل موجباً لارتداع العبد فهو، وإلّا فتحريم المولى لا يؤثّر شيئاً. هذا بناءً على ما بنوا عليه: من أنّ قبح جميع القبائح يرجع إلى قبح الظلم ويتفرّع منه.