المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

243

أمّا بناءً على أنّ قولنا: الظلم قبيح قضيّة بشرط المحمول، وأنّ قبح كلّ قبيح ثابت بملاكه الخاصّ، ولا يتفرّع من قبح الظلم، فقد تتوهّم تماميّة الفرق بين سلسلة العلل وسلسلة المعلولات؛ وذلك لأنّ القبح الثابت في سلسلة العلل يكون بملاكه الخاصّ، غير ملاك القبح الذي ينتج عن حكم المولى، فيتأكّد القبح بتعدّد ملاكه، وهذا بخلاف القبح الذي وقع في سلسلة المعلولات؛ فإنّ هذا القبح مع القبح الذي ينتج عن الحكم الجديد كلاهما بملاك معصية المولى، فيدّعى ـ مثلاً ـ عدم إمكان التأكّد واختلاف المراتب في القبح وملاكه حينما يكون الملاك واحداً، فالتأكّد ـ إذن ـ معقول فيما إذا كان القبح واقعاً في سلسلة العلل ولو كان بلحاظ حقّ المولى دون العباد، وغير معقول إذا كان واقعاً في سلسلة المعلولات.

ويرد عليه: أنّ تسليم الفرق في إمكان اختلاف المراتب والاشتداد وعدمه بين فرض تعدّد الملاك ووحدته لو تمّ لم يشفع لهذا التفصيل؛ وذلك لأنّ قبح ما يرجع إلى مخالفة حقّ المولى سيكون ـ دائماً ـ بملاك واحد، بلا فرق بين ما يكون في سلسلة العلل، وما يكون في سلسلة المعلولات؛ فإنّ ذلك كلّه بملاك مخالفة احترام المولى وشأنه وجلاله، سواء كان من ناحية المعصية ومخالفة الحكم، أو كان من ناحية اُخرى، كالسجود بعنوان الاستهزاء، أو التشريع كما يقال(1).

فهذا التفصيل لو تمّ فإنّما يتمّ فقط بلحاظ القبح الذي يكمن في مخالفة حقّ العباد كالغصب مثلاً، حيث يقال: إنّ قاعدة الملازمة تطبّق هنا باعتبار إمكانيّة تأكّد القبح باجتماع ملاكين: أحدهما بالنسبة إلى المولى، والآخر بالنسبة إلى شخص آخر. هذا بناءً على تسليم القبح العقليّ في سلسلة العلل.

أمّا لو قلنا: إنّ ما يدرك الناس قبحه في سلسلة العلل كما في الغصب ونحوه ليس قبحه إلّا من الاُمور العقلائيّة، وليس أمراً واقعيّاً يدركه العقل، فلا يبقى موضوع لقاعدة الملازمة في سلسلة العلل.


(1) سيأتي منّا ـ إن شاء الله ـ أنّ للمولى حقّين: حقّ تحصيل الغرض، وحقّ الاحترام، ولا يرجعان إلى حقّ واحد.