المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

247

احتماليّة، فلا يحقّ له ذلك(1)، أمّا استحقاقه للعقاب وعدمه، فهو متفرّع على ما سيأتي


(1) قد يقال: إنّ استصحاب بقاء الوقت يجوّز له التأخير.

وأجاب اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) عن ذلك: بأنّ هذا الاستصحاب إن احتمل أنّه سينكشف له خلافه في الزمان الثاني لدى التأخير، لم يكن موجباً لجواز تأخيره؛ إذ الواجب بحكم العقل هو تحصيل الامتثال إمّا واقعاً أو تعبّداً، وهو ليس عالماً بأنّه لو أخّر صلاته كانت صلاته في الزمان الثاني امتثالاً واقعيّاً أو تعبّديّاً للأمر بالصلاة في الوقت، والاستصحاب لو كان معذّراً فإنّما هو معذّر بوجوده في زمان التأخير، في حين هو غير واثق بثبوت الاستصحاب في زمان التأخير، وأمّا إذا علم بأنّ هذا الاستصحاب سيبقى له ثابتاً إلى آخر الصلاة في الزمان الثاني، فأيضاً هذا الاستصحاب ليس مجوّزاً للتأخير وترك الصلاة فعلاً؛ وذلك لأنّ هذا الاستصحاب في طول هذا الترك وفي الرتبة المتأخّرة عنه، فلا يكون مجوّزاً لهذا الترك الذي هو مخالفة احتماليّة والذي هو المحقّق لموضوع الاستصحاب.

وبكلمة اُخرى: أنّ الترك متقدّم رتبة على الاستصحاب، ولايوجد في الرتبة المتقدّمة على الاستصحاب مؤمّن ومجوّز بالنسبة إلى الترك.

أقول: قد ينقض هذا الكلام بمن أخّر صلاته إلى أن لم يبق من الوقت إلّا بمقدار تحصيل الطهارة والصلاة، وكان متطهّراً بالطهارة الاستصحابيّة، ولا شكّ أنّه يجوز له أن يصلّي بتلك الطهارة الاستصحابيّة المستمرّة إلى آخر الصلاة من دون أن يتوضّأ، في حين ترك الوضوء هنا يؤدّي إلى المخالفة الاحتماليّة، والاستصحاب إنّما يجري في طول ترك الوضوء.

وقد يجاب عن هذا النقض بأنّ ترك الوضوء في هذا المثال ليس بنفسه مخالفة للأمر النفسىّ، وإنّما هو منشأ لتولّد المخالفة الاحتماليّة، وتولّد الاستصحاب في عرض واحد، فالاستصحاب ليس في طول ما يكون مخالفة احتماليّة كي لا يمكن أن يؤمّن من ناحيته، بل في عرضه، في حين فيما نحن فيه يكون الترك المحقّق لموضوع الاستصحاب بنفسه مخالفة احتماليّة، فلا يمكن للاستصحاب أن يؤمّن من ناحيته.

ويمكن الردّ على هذا الجواب: بأنّ ترك المقدّمة المؤدّي إلى فوات ذي المقدّمة بنفسه شروع في مخالفة أمر ذي المقدّمة. فيكون ترك الوضوء مخالفة احتماليّة، فلا فرق بين ما نحن فيه وبين هذا المثال.

ويمكن إبطال هذا الردّ ـ بناءً على أنّ المقصود بالأمن أو التجويز الذي يدّعى تأخّره رتبة عن الترك هو رفع الحرمة الشرعيّة ـ بأنّ ترك المقدّمة غير متّصف بالحرمة الشرعيّة حتّى نفتّش عن رفعها، في حين أنّ ترك الصلاة مع فرض ضيق الوقت مصداق للحرام الشرعىّ.

وعلى أىّ حال، فاُستاذنا الشهيد(رحمه الله) عدل بعد ذلك عمّا أفاده هنا: من أنّ الاستصحاب بما أنّه في طول الترك فلا يجوز الترك، ولا يوجد مؤمّن بالنسبة إلى الترك الذي هو في الرتبة المتقدّمة على الاستصحاب، ولم أسمع منه السبب في هذا العدول.

ولكن الحقّ على أىّ حال: أنّه لا مانع عن التأخير اعتماداً على الاستصحاب إذا كان يعلم بأنّه لا يظهر له خلافه في الزمان الثاني؛ وذلك لأنّنا نسأل: هل النظر في الإشكال في المقام إلى الحرمة الشرعيّة الثابتة للترك في هذا الزمان على تقدير ضيق الوقت بناءً على أنّ بغض المولى للترك في تمام الوقت يستلزم في آخر الوقت بغضه للترك في هذا الوقت الضيّق ـ أو قل: إنّ حبّه لجامع الأفراد الطوليّة يستلزم بعد انحصار الجامع في الفرد الأخير حبّ ذاك الفرد ـ أو النظر في الإشكال في المقام إلى المنع العقلىّ عن هذا الترك باعتباره تركاً للمصداق الذي انحصر الامتثال فيه بعد فوات باقي الأفراد؟