المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

248

ـ إن شاء الله ـ في بحث استحقاق المتجرّي للعقاب وعدمه.

وذهب السيّد الاُستاذ على ما في (الدراسات) إلى أنّ التأخير مع الظنّ بضيق الوقت حرام في نفسه مستدلّاً بصحيحة الحلبىّ الواردة في الظهرين في «رجل نسي الاُولى والعصر جميعاً، ثُمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس؟ فقال: إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما، فليصلّ الظهر، ثُمّ ليصلّ العصر، وإن هو خاف أن تفوته، فليبدأ بالعصر، ولا يؤخّرها فتفوته، فيكون قد فاتتاه جميعاً، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها، ثُمّ


فإن كان النظر في الإشكال إلى الحرمة الشرعيّة للترك، فمن الواضح أنّ الحرمة الشرعيّة للترك موضوعها انحصار الجامع في هذا الفرد؛ كي يتعلّق الحبّ بهذا الفرد بالخصوص، ويحرم تركه، ونحن نستصحب عدم ذلك، ولا نقصد بالاستصحاب استصحاب بقاء الوقت في الزمان الثاني؛ كي يقال: إنّ هذا فرع الترك في الزمان الأوّل، بل نقصد به استصحاب عدم كون الصلاة في الزمان الأوّل هي الفرد المنحصر وكونها واجباً تعيينيّاً.

وإن كان النظر في الإشكال إلى المنع العقليّ عن هذا الترك باعتباره تركاً للمصداق الذي انحصر الامتثال فيه، فهذا المنع إنّما يرفع بالحصول على مصداق آخر للامتثال، وهو إنّما يكون باستصحاب بقاء الوقت في الزمان الثاني، وهذا الاستصحاب هو فرع الترك في الزمان الأوّل، ولكن المؤمّن العقلىّ ليس هو فعليّة الاستصحاب بأن يترك الصلاة في الزمان الأوّل حتّى يتمّ الاستصحاب بلحاظ الزمان الثاني حتّى يكون مؤمّناً (كي يرد عليه: أنّ الاستصحاب الذي هو في طول الترك لا يؤمّن الترك)، وإنّما المؤمّن العقليّ هو (ثبوت الاستصحاب على تقدير الترك)؛ فإنّ الذي يهمّ العقل هو تحصيل الجامع بين الامتثال الواقعىّ والظاهرىّ، فإذا عرف العقل أنّ الترك في الزمان الأوّل لا يحرمه هذا الجمع؛ لأنّ الترك بنفسه يحقّق موضوع الاستصحاب المثبت للامتثال الظاهرىّ، فلا مانع لديه من الترك، والحاصل: أنّه صحيح أنّ ثبوت الاستصحاب كان في طول الترك، ولكن (ثبوت الاستصحاب على تقدير الترك) ثابت قبل الترك، وليس في طول الترك، وهذا هو الذي يحكم العقل بالأمن على أساسه.

وهنا وجه آخر لإثبات عدم جواز الاعتماد عند خوف الضيق على الاستصحاب، وهو: أن يقال: إنّه متى ما كان الاعتماد على الاستصحاب إلى آخر الشوط في تأخير الواجب مستلزماً لفواته عادة؛ إذ لا يحصل العلم بضيق الوقت عادة إلّا بعد انتهائه، فعدم تعقّل العرف لإيجاب شيء مع الترخيص في تركه ترخيصاً شاملاً لكلّ الموارد إلّا ما شذّ يجعل دليل الاستصحاب منصرفاً عن مثل المورد، أو يجعل دليل الوجوب معارضاً لدليل الاستصحاب ومقدّماً عليه؛ إذ يرى تقديم الاستصحاب على دليل الوجوب نفياً لأصل الوجوب، في حين تقديم الوجوب على الاستصحاب ليس إلّا تخصيصاً لإطلاق دليل الاستصحاب.

وهذا الوجه ـ أيضاً ـ قابل للمناقشة؛ وذلك لأنّ الترخيص الذي دلّ عليه الاستصحاب لو كان شاملاً لغالبيّة دواعي التأخير إلّا ما شذّ، لكان من المحتمل دعوى كون ذلك منافياً عرفاً لتحريم التأخير عن الوقت واقعاً، ولكنّ الأمر ليس كذلك؛ لأنّ هذا الترخيص الذي ينتهي بانتهاء أمد الشكّ لايرخّص في دواعي التأخير التي تدعو إلى التأخير إلى ما بعد أمد الشكّ، أي: التأخير إلى زمان القطع بانتهاء الوقت، ويكفي هذا فائدة عرفيّة للإلزام الواقعىّ بحيث لا يرى تناف بينه وبين الترخيص الظاهرىّ.