المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

256


وَاللَّه يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾سورة النور، الآية: 19.

ولعلّ من الواضح: أنّه لا ينبغي الجمود في فهم هذه الآية على المعنى اللفظيّ البحت لقوله: ﴿الَّذينَ يُحِبُّونَ...﴾، بل الظاهر: أنّ المقصود بهذا العنوان هو الإشارة إلى الذين يشيعون الفاحشة عن حبّ لإشاعتها لا عن مجرّد اللامبالات، كما يناسب ذلك قصّة الإفك على زوجة النبىّ(صلى الله عليه وآله) أو أمّ ولده والتي وردت هذه الآية في سياقها.

على أنّه حتّى لو جمدنا على حاقّ اللفظ، فالآية إنّما دلّت على العقاب على حبّ شياع الفاحشة، وهذا لا يستلزم العقاب على النيّة، أو الفعل المتجرّى به الصادر عن الإنسان بتسويل الشهوات النفسيّة، فكم فرق بين من يحاول معصية طلباً للذّة نفسيّة، وبين من يحبّ أصل صدور المعصية وتحقّقها ولو من الآخرين، فمثلاً: تارة يحاول إشاعة فاحشة ما على أساس ميل النفس إلى التكلّم عن واقعة تجلب النظر مثلاً، واُخرى يحبّ أصل شياع الفاحشة ولو من قبل الآخرين، ومن الواضح أنّ الثاني أشدّ حالاً من الأوّل، ولا يمكن التعدّي من الثاني ـ لو دلّ دليل على عقابه ـ إلى الأوّل.

ولا أراني بحاجة إلى البحث عن الجواب عن آيات اُخرى ربّما يتوهّم عدّها في سياق المعارض لتلك الروايات أيضاً، كقوله تعالى:﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾سورة آل عمران، الآية: 183 حيث نسب القتل إلى المخاطبين مع تأخّرهم عن القاتلين بكثير؛ لرضاهم بقتلهم، وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُريدُونَ عُلُوّاً في الْأرْضِ وَ لا فَسَاداً﴾ سورة القصص، الآية: 83.

2 ـ روايات نيّة الكافر شرّ من عمله:

كرواية السكونىّ غير تامّة السند، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): نيّة المؤمن خير من عمله، ونيّة الكافر شرّ من عمله، وكلّ عامل يعمل على نيّته» الوسائل / الجزء 1 / الباب 6 / مقدّمة العبادات / الحديث 3 / ص 35.

ورواية الحسن بن الحسين الأنصارىّ عن بعض رجاله، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه كان يقول: «نيّة المؤمن أفضل من عمله؛ وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه، ونيّة الكافر شرّ من عمله؛ وذلك لأنّ الكافر ينوي الشرّ، ويأمل من الشرّ ما لا يدركه» المصدر نفسه / الباب 6 / من مقدّمة العبادات / الحديث 17 / ص 38 ـ 39.

ورواية الفضيل بن يسار غير التامّة سنداً، عن أبي جعفر(عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام)، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «نيّة المؤمن أبلغ من عمله، وكذلك نيّة الفاجر» المصدر نفسه / الحديث 22 / ص 40.

وهذه الروايات إضافة إلى ضعف أسانيدها لاتدلّ ـ كما ترى ـ على العقاب على النيّة، فلعلّ المقصود ـ كما يظهر من بعضها ـ مجرد أنّ الكافر أو الفاجر ينوي ما هو أشدّ ممّا يعمل، وهذا أمر طبيعىّ.

3 ـ روايات أنّ من أسرّ سريرة يصيبه شرّها، من قبيل ما عن عمر بن يزيد بسند تامّ، قال: «إنّي لأتعشّى مع أبي عبد الله(عليه السلام) إذ تلا هذه الآية: ﴿بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ * بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه﴾، ثُمّ قال: ما يصنع الإنسان أن يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بخلاف ما يعلم الله؟ إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يقول: من أسرّ سريرة رداه الله رداها، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً» الوسائل / الجزء 1 / الباب 11 / مقدّمة العبادات / الحديث 5 / ص 48.

وما عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «ما من عبد يسرّ خيراً إلّا لم تذهب الأيّام حتّى يظهر الله له ←