المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

263

بمرتبة من مراتب الوصول، ولا حقّ له حينما لا يوجد حكم في الواقع، وذلك قياساً لحقّ المولى بسائر حقوق الناس، فكما أنّ من الواضح في حقّ الملكيّة الذي هو حقّ عقلائىّ، وحقّ عدم الإيذاء والقتل مثلاً: أنّ من تصرّف فيما اعتقد كونه ملكاً لزيد، ثُمّ تبيّن أنّه كان مملوكاً له، ولم يكن ملك زيد، أو قتل من اعتقد زيداً، ثُمّ تبيّن أنّه شخص آخر مهدور الدم مثلاً، لم يصدر عنه ما يهدر حقّاً من حقوق زيد إطلاقاً، ولم يكن ظالماً له. فحقّ زيد يدور مدار واقع ملكه، أو واقع حياته، وليس من حقّه ترك التصرّف فيما اعتقدنا خطأً أنّه ملكه، أو ترك قتل من اعتقدنا خطأً أنّه هو، فكذلك الحال بالنسبة إلى المولى تعالى، فحقّه يدور مدار واقع حكمه بشرط الوصول بمرتبة من المراتب. أمّا إذا لم يكن حكم في الواقع، وكان الوصول خطاءً محضاً، فليس له حقّ الطاعة، وبهذا يثبت أنّ الفعل المتجرّى به ليس قبيحاً.

ولكن الواقع: أنّ الصحيح هو الاحتمال الثاني، وليس الثالث، وأنّ قياس المقام بالحقوق الاُخرى قياس مع الفارق؛ وذلك لأنّ حقّ طاعة المولى ليس بملاك غرض المولى وحاجة يحتاجها بنحو يقبل انكشاف الخلاف نظير ما بين الناس من الحقوق، بل إنّما هو بملاك احترام المولى وإجلاله وعدم التوهين بشأنه، والمعصية والتجرّي متساويان في مرتبة مخالفة الاحترام، وعليه فمصبّ حقّ الطاعة إنّما هو الحكم الواصل بمرتبة منجّزة سواء كان ثابتاً في الواقع أو لا، فالتجرّي قبيح كالمعصية(1).

 


(1) أقول لا إشكال في أنّ أمر المولى ينشأ من غرض ما، وعندئذ لا يبعد القول بأنّ العقل يحكم بأنّ للمولى حقّ تحقيق غرضه كما أنّ له حقّ الاحترام. وفي مورد المعصيّة قد خولف كلا الحقّين، وفي مورد التجرّي خولف حقّ واحد، وهو حقّ الاحترام.

وبكلمة اُخرى: أنّ العنصر الثاني وهو مجرّد الوصول ولو خطأً مصبّ لحقّ الطاعة بملاك الاحترام، والعنصر الأوّل وهو عنصر الحكم الإلزامىّ بشرط مستوى من مستويات الوصول مصبّ لحقّ الطاعة بملاك تحصيل غرض المولى.

وبتعبير آخر: أنّ الاحتمال الثاني والثالث كلّ منهما مستقلّاً وبعنوانه صحيح. وما يلزم من ذلك من أشدّيّة العاصي من المتجرّي في استحقاق العقاب لا نتحاشى عنه، ولا نراه خلاف الوجدان، وإنّما الذي يكون خلاف الوجدان هو أشدّيّة وضع العاصي من المتجرّي أمام محكمة الوجدان وذمّ العقل، ونحن لا نقول بأنّ ذمّ المولى عقابه كي يسري حكم الوجدان بعدم كون العاصي أشدّ حالاً من المتجرّي في ذلك إلى مسألة العقاب.