المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

265

حرمة التجرّي، ومع ذلك التزم في المقام بقبح التجرّي على الرغم من أنّه يرجع باب الحسن والقبح إلى المجعولات العقلائيّة.

ودليله على إرجاع باب الحسن والقبح إلى المجعولات العقلائيّة، واعتبارهما من المشهورات لا من الضرورات العقليّة: أنّ الضرورات العقليّة منحصرة في ستّة اُمور: الأوّليّات: وهي التي يكفي تصوّر طرفيها مع تصوّر النسبة بينهما في الجزم بها كقولنا: الكلّ أعظم من الجزء. والفطريات: وهي الّتي قياسها معها كقولنا: الأربعة زوج، فهذا الكلام قياسه معه، وهو كون الأربعة منقسمة إلى متساويين. والمتواترات: وهي القضايا المخبر بها بأخبار كثيرة حسيّة توجب القطع كقولنا مكة موجودة. والحسيّات، والتجريبيّات، والحدسيّات، في حين أنّ حسن العدل وقبح الظلم ليسا من الأوليّات؛ لأنّ تصوّر الطرفين مع النسبة لا يكفي في الجزم ولا من الفطريّات؛ إذ ليس معها قياس يدلّ عليها، ولا من المتواترات؛ إذ ليس مصدر العلم بها إخبارات حسيّة كثيرة، ولا من المحسوسات، أو التجريبيّات، أو الحدسيّات كما هو واضح، إذن ليس الحسن والقبح من الضروريّات(1).

ويرد عليه: أنّ انحصار الضروريّات في هذه الاُمور الستّة ليس داخلاً في هذه الاُمور؛ إذ ليس هو أوّليّاً؛ لعدم كفاية تصوّر طرفيه مع تصوّر النسبة للجزم به، ولا فطريّاً؛ لعدم كون قياسه معه، ولا متواتراً؛ لعدم إخبار جماعة كثيرة به عن حسّ، ولا من المحسوسات، أو التجريبيّات أو الحدسيّات كما هو واضح. وإنّما هو حكم استقرائىّ. وهذا الاستقراء موقوف على تسليم عدم كون باب حسن العدل وقبح الظلم ـ مثلاً ـ من الضروريّات العقليّة، إذن فلا يمكن الاستدلال على عدم ضروريّة الحسن والقبح بعدم دخولها في الضروريّات الستّ؛ فإنّ هذا البرهان دورىّ(2).

 


(1) راجع نهاية الدراية ج 2 ص 8.

(2) بإمكان المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله) أن يقول: إنّ ضروريّة القضيّة إمّا أن تكون بمعنى كفاية تصوّر أطرافها للتصديق بها، أو بمعنى وضوح برهانها بحيث تعتبر القضيّة قياسها معها، والحسّيّات والتجريبيّات والمتواترات والحدسيّات كلّها راجعة إلى ما يكون قياسه معه. والقياس المتدخّل في هذه الاُمور هو ما يعتقدون به من قانون: أنّ الصدفة لا تكون أكثريّة، وبما أنّ حسن الشيء أو قبحه ليس من الاُمور التي يكفي تصوّر أطرافها للتصديق