المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

266

وعلى أىّ حال، فالصحيح هو كون قبح مخالفة المولى ثابتاً بنفس مولويّة المولى، وكونه أمراً واقعيّاً يدركه العقل، وليس حكماً مجعولاً للعقلاء. وعليه فلا إشكال في أنّ الفعل المتجرّى به قبيح بعنوانه الثانوىّ، وهو التجرّي بالبيان الذي عرفت.

بقي الكلام فيما استدلّ به المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) على عدم قبح الفعل المتجرّى به حيث ذكر لذلك وجوهاً ثلاثة برهانيّة ووجهاً آخر وجدانيّاً، ويمكن صياغته بشكل فنّيّ، فهذه وجوه أربعة:

الوجه الأوّل: أنّ الحسن والقبح من صفات الأفعال الاختياريّة، والمتجرّي لم يصدر عنه فعل اختيارىّ قابل للتوصيف بالقبح؛ فإنّ العنوان الذي يتصوّر في المقام كونه منشأً للقبح هو عنوان شرب مقطوع الحرمة مثلاً، ولكنّه لم يكن مريداً لهذا العنوان، فهذا العنوان ليس اختياريّاً له.

والجواب عن ذلك ما حقّقناه في بحث الطلب والإرادة: من أنّ اختياريّة الفعل ـ بالمعنى الذي يكون موضوعاً للأحكام العقليّة من الحسن والقبح واستحقاق الثواب والعقاب وغير ذلك ـ ليس هو تعلّق الإرادة بمعنى الشوق المؤكّد، بل هو السلطنة، بمعنى: أنّ له أن يفعل وله أن لا يفعل، وهي متقوّمة بالقدرة والالتفات.

فإذا حصلت القدرة والالتفات، فقد تحقّق الاختيار، وهما حاصلان في المقام. أمّا


بها، ولا نمتلك قياساً حاضراً معه، فلا محالة نحتاج إلى برهان خارجىّ عليه.

فإن لم يكن في المقام برهان من هذا القبيل، فلا محالة نذهب إلى القول بأنّ الحسن والقبح من القضايا المشهورة لا اليقينيّة. فإن كان هذا هو واقع مقصود المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله)، لم يرد عليه الإشكال بكون حصر الضروريّة في الاُمور الستّة ليس من الاُمور الستّة. نعم، يرد عليه: منع عدم كون الحسن والقبح في كثير من الاُمور من الأوّليّات.

فصحيح أنّنا لا نقبل قانون حسن العدل وقبح الظلم؛ لرجوعهما إلى القضيّة بشرط المحمول، ولكنّا نرى أنّ حسن كثير من الاُمور وقبح كثير منها من الأوّليّات، أي: إنّه يكفي تصوّر الأطراف للجزم بالحسن والقبح وإن أنكره بعض الناس؛ لشبهة حصلت له، أو لما ذكره اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) خارج الدرس: من أنّ بالإمكان ثبوتاً أن تكون في الإنسان قوّة تسمّى بالعقل العملىّ تدرك بعض الأشياء كقبح الظلم، ولكنّها بحاجة إلى إعدادات ومقدّمات لابدّ من طيّها كي توجد تلك القوّة المدركة، كما في الحواس الظاهريّة المدركة لبعض الأشياء الحاصلة بعد استكمال النطفة للإعدادات والمقدّمات.