المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

267

الإرادة فلا دخل لها في الاختيار. نعم، لو سمّيت الإرادة اختياراً كمصطلح، لانناقش في ذلك، فلامشاحّة في الاصطلاح، ولكن المهم أنّ مناط الأحكام العقليّة ـ كالحسن والقبح، أو استحقاق المدح والذم ـ هو الاختيار المتقوّم بالقدرة والالتفات، أمّا الإرادة فهي أجنبيّة عنه على ما برهنّا عليه في بحث الطلب والإرادة.

وقد أورد المحقّق الإصفهانىّ (رحمه الله) نقضين على دخل إراديّة الفعل في الاختيار، وأجاب عنهما(1):

النقض الأوّل: أنّه لو شرب الخمر عالماً، لكن لا للشوق إلى شرب الخمر، بل بقصد التبريد مثلاً، فهنا لا إشكال في قبح فعله، وكونه معاقباً على شرب الخمر، وصدور ذلك عنه اختياراً، في حين لم يكن هو مريداً لهذا العنوان ومشتاقاً إليه.

وأجاب عن ذلك بأنّ شرب الخمر أصبح مقدّمة للتبريد، ومن اشتاق إلى شيء اشتاق بالتبع إلى مقدّمته، فهو مريد لشرب الخمر.

وما نحن فيه ليس من هذا القبيل؛ فشوقه لم يكن متعلّقاً بشرب مقطوع الحرمة.

النقض الثاني: أنّه لو اشتاق إلى الجامع بين الحرام وغير الحرام كما لو احتاجت معدته إلى جامع المائع، فشرب الخمر عمداً لا بشوق منه وإرادة لهذا العنوان، بل بشوق منه وإرادة لشرب جامع المائع، فلا إشكال في قبح ما صدر عنه من شرب الخمر واختياريّته واستحقاقه للعقوبة عليه مع أنّ إرادته لم تتعلّق بذلك، وإنّما تعلّقت بشرب المائع. ولا يأتي على هذا النقض الجواب السابق؛ لانتفاء المقدّميّة في المقام.

وأجاب المحقّق الإصفهانىّ (رضوان الله عليه) عن ذلك بأنّه لو لم تتعلّق إرادته وشوقه بهذه الحصّة، لكان ترجيحها على حصّة اُخرى ترجيحاً بلامرجّح، وهو مستحيل، إذن هو يقصد الخصوصيّة ـ أيضاً ـ لا صرف الجامع.

وجواب المحقّق الإصفهانىّ عن النقض الأوّل في الحقيقة تصعيد لذاك النقض إلى مستوى النقض الثاني؛ إذ يثبت أنّ من قصد التبريد ـ مثلاً ـ قصد مقدّمته، ومقدّمته عبارة


(1) راجع نهاية الدراية ج 2 ص 9، 10.