المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

271

الخمر الذي قد يلتفت إلى القطع بحرمته مستقلّاً؛ كي يتّخذ تصميمه أمام الرادعيّة العقليّة لذلك، لكي يرتدع أو لا يرتدع بذلك.

الوجه الثالث: ما يكون مختصّاً بالشبهات الموضوعيّة: وهو أنّه في فرض الشبهة الموضوعيّة لم يصدر عنه فعل اختيارىّ أصلاً؛ فإنّ من شرب مائعاً قاصداً لشرب الخمر، وكان في الواقع ماءً، فما صدر عنه من شرب الماء لم يكن مقصوداً بحسب الفرض، وما قصده من شرب الخمر لم يصدر عنه، إذن لم يصدر عنه فعل اختيارىّ أصلاً (1). وهذا نظير ما لو رمى سهماً بقصد حيوان، فأخطأ السهم، وأصاب إنساناً، فلا يحكم عليه بحكم القتل العمدىّ، بل يحكم عليه بحكم القتل الخطئيّ.

وذكر المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) في حاشيته على الرسائل إشكالاً على هذا الوجه مع بيان جواب عنه:

أمّا الإشكال: فهو أنّه قد قصد الجامع بقصده للفرد؛ إذ يكفي في قصد الجامع قصد فرد منه، وقد وقع الجامع في الخارج؛ إذ يكفي في وقوعه وقوع فرد منه، إذن قد وقع ما قصده، وهو الجامع، فالجامع فعل اختيارىّ له.


(1) المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) أشار في كفايته إلى عدم صدور فعل اختياريّ عنه أصلاً في فرض الشبهة الموضوعيّة، لكنّه لم يظهر من عبارته جعل هذا برهاناً مستقلّاً على عدم قبح التجرّي.

وعلى أىّ حال، فالذي يبدوفي بادئ النظر أنّ جعل هذا برهاناً في مقابل البرهان الأوّل على عدم قبح الفعل ليس جيّداً؛ فإنّ المهمّ في المقام هو فرض عدم اختياريّة العنوان الذي يمكن أن يدّعى قبحه، وهو عنوان شرب معلوم الخمريّة، وهذا ما ركّز عليه في البرهان الأوّل. ولا يحتمل أحد أنّ مجرّد وجود عمل اختيارىّ ما كاف في قبح التجرّي؛ كي يبرهن على عدمه بالبرهنة على عدم وجود فعل اختيارىّ إطلاقاً.

نعم، قد يستظهر من عبارة صاحب الكفاية في تعليقته على الرسائل جعل هذا الوجه برهاناً مستقلّاً على نفي حرمة الفعل المتجرّى به شرعاً حيث برهن على ذلك أوّلاً بأنّ الفعل المتجرّى به بما هو مقطوع الحرمة ليس اختياريّاً، ثُمّ قال بلحاظ الشبهة الموضوعيّة: (بل لا يكون اختياريّاً أصلاً)، وجعل هذا برهاناً مستقلّاً على عدم الحرمة الشرعيّة أمر معقول؛ إذ قد يخطر بالبال احتمال كون عنوان مقطوع الخمريّة حيثيّة تعليليّة لحرمة شرب الماء شرعاً مثلاً، فكون هذا العنوان غير اختيارىّ لا يكفي ـ عندئذ ـ للبرهان على عدم الحرمة، فيبرهن على ذلك بكون الفعل غير اختيارىّ بجميع عناوينه حتّى بعنوان شرب الماء مثلاً. أمّا بالنسبة إلى القبح، فلامجال لاحتمال كون العنوان الدخيل في موضوعه ـ وهو عنوان شرب مقطوع الخمريّة ـ حيثيّة تعليليّة، فإن كان دخيلاً، فإنّما هو بنحو التقييد والموضوعيّة، وقد فرضناه غير اختياريّ، وبه ينتفي القبح. أمّا عدم اختياريّة الفعل بسائر عناوينه، فلا دخل له في القبح وعدمه.