المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

274

الوجه الرابع: هو التمسّك بالوجدان؛ فإنّ الوجدان حاكم بأنّ العبد لو أنقذ غريقاً باعتقاد كونه عدوّاً للمولى، فتجرّى بإنقاذه، ثُمّ ظهر أنّه كان ابن المولى، كان ما تحقّق من إنقاذ الابن محبوباً للمولى.

وبيان هذا الوجه بتعبير فنّيّ هو: أنّه لو فرض قبح الفعل المتجرّى به، فإمّا أن يفرض انسلاخه من عنوانه الأوّليّ من المحبوبيّة للمولى، أو يفرض بقاؤه على ذلك العنوان. والأوّل خلاف الوجدان، والثاني جمع بين المتضادّين: بأن يكون هذا الفعل محبوباً وحسناً في حال كونه مبغوضاً وقبيحاً.

ويرد على هذا الوجه: أنّ هذا خلط بين باب الحسن والقبح وباب المصالح والمفاسد. فهذا الوجه إنّما يكون له مجال ـ وإن لم يصحّ أيضاً ـ لو قلنا: بأنّ الحسن والقبح في المقام من المجعولات العقلائيّة التابعة لملاكات المصالح والمفاسد، فتقع المزاحمة بين ملاك هذا الحكم وملاك محبوبيّة الفعل للمولى، ولا يعقل الجمع بين الحكم بقبحه ومحبوبيّته لدى المولى، أمّا بناءً على ما هو الصحيح: من كون حسن الطاعة وقبح المعصية للمولى أمرين واقعيّين كشفهما العقل، فلا مجال لادخالهما في باب مبادئ الحكم من المصلحة


وعلى أىّ حال، فهذا البيان من اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ وهو توضيح كفاية محركيّة الإرادة في اختياريّة الفعل ولو بواسطة وصول خاطئ للانطباق ـ قد أبطل البرهان الثالث؛ إذ أثبت أنّ الفعل الذي صدر عنه فعل اختيارىّ باعتباره صادراً عن إرادة عنوان اعتقد ـ ولو خطأً ـ انطباقه عليه، إذن فما صدر عنه من شرب الماء فعل اختيارىّ له، إلّا أنّ هذا البيان لم يبطل ما مضى من اُستاذنا الشهيد (رضوان الله عليه): من إمكان القول إنّه حتّى لو فرض بطلان البرهان الأوّل للإيمان بتعلّق الإرادة بعنوان شرب مقطوع الخمريّة أو مقطوع الحرمة، بقيت للمحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) البرهنة على المقصود بأنّ الإرادة تعلّقت بتلك الحصّة من شرب مقطوع الخمريّة، أو الحرمة التي هي في ضمن شرب الخمر ولم تحصل، والحصّة التي حصلت من هذا العنوان لم تكن مقصودة، فهذا الكلام ـ كما ترى ـ باق على قوّته، على رغم هذا الجواب عن البرهان الثالث؛ فإنّ هذا الجواب غاية ما أثبت هو أنّ ذات الفعل الذي صدر عنه فعل إرادىّ، وليس هو إلّا ذات شرب الماء، أمّا عنوان شرب مقطوع الخمريّة أو الحرمة ـ تلك الحصّة التي تكون في ضمن شرب الماء ـ فليس مراداً حتماً؛ لأنّنا لو سلّمنا ـ مثلاً ـ أنّ إراديّة الفرد تجعل الجامع الذي في ضمنه إراديّاً ـ ولو لم يكن الجامع داخلاً في ماهيّة الفرد ـ فإنّما نسلّم ذلك في فرض الالتفات إلى ثبوت تلك الحصّة في ضمن الفرد، في حين هذا الفاعل لا يعتقد إلّا بوجود الحصّة الاُخرى، وهي الحصّة الموجودة في ضمن الخمر.

وهذا ينبّه إلى ما أردت أن أقوله: من أنّ ذاك الكلام ليس تصحيحاً للبرهان الثالث، وإنّما روحه روح البرهان الأوّل: وهو إثبات عدم إراديّة العنوان المدّعى قبحه، لا روح البرهان الثالث: وهو عدم صدور شيء عنه بالاختيار إطلاقاً، فلا تغفل.