المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

283

الكلام صغرىً وكبرىً.

ونقول هنا: إنّه لو سلّمت الصغرى وهي تعدّد الرتبة، فإنّما هو في المقام بين قبح التجرّي والحرمة المتخيّلة، لا بين قبح التجرّي والوجوب الواقعىّ، إذن فلو سلّمت الكبرى وهي كفاية تعدّد الرتبة في دفع المنافاة، لم تنطبق على المقام؛ لأنّ المنافاة إنّما هي بحسب الفرض بين قبح التجرّي والوجوب الواقعىّ، في حين تعدّد الرتبة إنّما هو بين القبح وحكم آخر، وهو الحرمة لا الوجوب(1).

والتحقيق في المقام ما ظهر ممّا سبق: من أنّ باب الحسن والقبح غير باب مبادئ الأحكام. والخلط بينهما موقوف على القول بكون الحسن والقبح مجعولين عقلائيّين بحسب المصالح والمفاسد. وقد مضى أنّ المولى الحقيقىّ يكون حسن طاعته وقبح معصيته ذاتيّين. فقد اتّضح أنّه لا مجال لفرض التنافي بين قبح التجرّي وجهة الواقع كي يفترض وقوع الكسر والانكسار بينهما(2).

نعم، عدم المنافاة الذي وضّحناه هنا إنّما هو بين الوجوب الواقعىّ ـ مثلاً ـ وقبح التجرّي، وليس بين الوجوب الواقعىّ وتنجّز الحرمة بقطع أو أمارة أو غيرهما، فيمكن دعوى المنافاة بين الحكم الواقعىّ وهذا التنجّز سواء قلنا بقبح التجرّي أو أنكرنا قبحه، والكلام في هذه المنافاة مربوط ببحث الجمع بين الحكم الواقعىّ والظاهرىّ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ أنّ الطرق المتعارفة للجمع بينهما لا تتكفّل إلّا الجمع بين الإلزام والترخيص: بأن يكون أحد الحكمين إلزاماً والآخر ترخيصاً دون ما إذا فرض أحدهما إيجاباً والآخر تحريماً.

وعلى أىّ حال، فتحقيق الكلام في ذلك مربوط بذاك البحث. وإنّما كان المقصود هنا


(1) يحتمل أن لايكون نظر الشيخ العراقيّ(رحمه الله) إلى تعدّد الرتبة، بل إلى تعدّد العنوان مع مبنى عدم سراية الحكم أو الحبّ والبغض من العنوان إلى المعنون. راجع فوائد الاُصول ج 3 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم ص 54 مع ص 42 وتعليق المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في الموردين.

(2) قد يقال: إنّ الحسن والقبح يصلحان ملاكين للأحكام، فمعنى كون الأحكام تابعة للمصالحوالمفاسد ـ لاللحسن والقبح ـ إنّما هو: أنّ المصالح والمفاسد تكفي في انبعاث مبدأ الحكم في نفس المولى، لا أنّ الحسن والقبح لا يصلحان لذلك، وعليه فقد يقع الكسر والانكسار في طرف الحكم (لا في طرف حرمة التجرّي) بين قبح التجرّي ومصلحة الفعل.

وحلّ ذلك يكون بالجمع المختار فيما بين الحكم الواقعيّ والظاهريّ الذي سيتضح في محلّه إن شاء الله.