المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

284

الإشارة إلى أنّ ما ادّعيناه في المقام كان هو عدم المنافاة بين الوجوب الواقعىّ وقبح التجرّي، وذلك لا ينافي فرض التنافي بين الوجوب الواقعيّ وتنجّز الحرمة. فلو سلّم هذا التنافي، وقد أثبتنا قبح التجرّي، تعيّن القول بارتفاع الوجوب الواقعىّ.

الثالث: ذكر المحقّق العراقىّ(رحمه الله) ثمرة لقبح التجرّي وعدمه، وهي: إنّه لو قامت الأمارة على حرمة صلاة الجمعة مثلاً، ومع ذلك صلّى المكلّف صلاة الجمعة برجاء كونها واجبة؛ لأنّه لم يكن قاطعاً بعدم الوجوب وإن تنجّزت عليه الحرمة، ثُمّ انكشف كونها واجبة، فبناءً على قبح التجرّي بطلت صلاته؛ لعدم صلاحيّتها للمقرّبيّة؛ لأنّ التقرّب إلى المولى بما هو قبيح غير ممكن، وبناءً على عدم قبحه صحّت صلاته؛ إذ لا قبح فيها يسقطها عن صلاحيّتها للمقرّبيّة.

أقول: الكلام تارة يقع في التوصّليّات، واُخرى في التعبّديّات:

أمّا التوصّليّات فلا تكون الصحّة والبطلان فيها مترتّبة على قبح التجرّي وعدمه، بل تكون مترتّبة على أن يستفاد من الدليل ثبوت ملاك هذا الواجب أو المستحبّ التوصّلىّ وعدمه، فعلى الأوّل يصحّ مطلقاً، وعلى الثاني لا يصحّ مطلقاً.

وأمّا التعبّديّات فالمتّجه فيها هو البطلان مطلقاً. أمّا على قبح التجرّي فواضح؛ إذ لا يكون ظلم المولى مقرّباً للعبد إلى المولى، وأمّا بناءً على عدم قبحه، فمن الممكن فرض صلاحيّتها للمقرّبيّة، كما إذا كان الدليل مثبتاً للملاك حتّى في فرض التجرّي، لكن العبادة لا يكفي في صحّتها صلاحيّتها للمقرّبيّة، بل تكون صحّتها مشروطة ـ أيضاً ـ بكون حركة العبد نحوها ناشئة من ناحية المولى، فإذا وجد الشرط الأوّل وهو صلاحيّة المقرّبيّة دون الثاني وهو الداعي الإلهىّ كما في السلام على المؤمن لا بداع إلهىّ، لم تكن عبادة. وكذا العكس كما لو أتى العبد بفعل بداعي القربة باعتقاد كونه مطلوباً للمولى، فتبيّن خلافه. ومن صلّى صلاة الجمعة ـ مثلاً ـ على رغم علمه بتنجّز حرمتها عليه، لا يكون متحرّكاً من ناحية المولى وبداع إلهىّ وإن فرض عدم قبح التجرّي؛ إذ هو يحتمل كون الإتيان بهذا الفعل ظلماً للمولى، ولا يحتمل كون تركه ظلماً له، فكيف يعقل إتيانه بداعي المولى؟!