المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

285

نعم، في التجرّي بالنسبة إلى المولى العرفىّ الذي تنجّز حكم له على العبد مع احتمال أن يكون صلاح المولى في خلافه يعقل تحرّك العبد نحو الخلاف بداعي المولى(1).

 

 


(1) وفي ختام البحث عن التجرّي لا بأس بالإشارة إلى بحث الانقياد، وتوضيح فارق فنّيّ بين البابين فنقول:

إنّ من انقاد لأمر وصله بأىّ مرتبة من مراتب الوصول ولو غير منجّزة ـ بخلاف باب التجرّي الذي كان يشترط فيه التنجّز ـ فاستحقاقه للمدح على حسن السريرة لا إشكال فيه، كما لم يكن إشكال في استحقاق المتجرّي للذمّ على سوء السريرة حتّى عند المنكر لقبح التجرّي.

ونحن كما آمنّا في باب التجرّي بثبوت القبح، ودوران الذمّ مدار وصول موضوع الحقّ ولو خطأً، كذلك نقول في المقام بثبوت الحسن، واستحقاق المدح لمجرّد وصول موضوع الحقّ. ولو فرضنا تنزّلاً كون الحسن والقبح مشروطين بمطابقة الوصول للواقع، قلنا: قد ذكرنا في باب التجرّي أنّ أحد الحقّين للمولى هو حقّ الاحترام، وقد حصل بهذا الانقياد احترام المولى.

أمّا استحقاق الثواب، فلو قصد به وجوبه على الله تعالى كدين يطلبه الدائن أو أجرة يطلبها الأجير، فنحن لا نؤمن بذلك حتّى في الطاعة الحقيقيّة فكيف بالانقياد؛ فليس الثواب من الله تعالى إلّا فضلاً منه ورأفة ورحمة؛ لأنّ الوفاء بالحقّ لا يوجب شيئاً على ذي الحقّ، وليس حال الوفاء بالحقّ حال مخالفة الحقّ التي تثبت لذي الحقّ حقّ المجازاة.

ولو قصد به مجرّد حسن مثوبته، وأنّ هذا العبد أهل لأن يثاب، قلنا: إنّ هذا لا يدور مدار الوفاء بالحقّ واقعاً كما كان العقاب يدور مدار مخالفة الحقّ واقعاً، وإنّما يدور مدار الوفاء بما وصله ولو خطأً، إذن فحتّى لو قلنا في باب التجرّي بعدم استحقاقه للعقاب؛ لأنّ حقّ المولى عبارة عن حقّ عدم تفويت الفرض ولم يخالفه المتجرّي، أو قلنا ـ كما هو المختار ـ: إنّ عقاب المتجرّي أخفّ من عقاب العاصي؛ لأنّه خالف أحد الحقّين بخلاف العاصي الذي خالف كليهما، نقول هنا: بأنّ المنقاد المطابق فهمه للواقع مع المنقاد الذي أخطأ سيّان في استحقاق الثواب. وهذا هو الفارق الفنّىّ بين البابين الذي أردنا الإشارة إليه.

هذا. ولعلّه حينما يكون الوصول بشكل غير منجّز يكون استحقاق الثواب آكد؛ فإنّ من يتحرّك بوصول غير منجّز هو خير ممّن لا يتحرّك إلّا بالوصول المنجّز.