المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

302

البيان بقدر ما هو راجع إلى شأن المولى تامّ في المقام، فما كان على المولى بما هو مولى إنّما هو بيان الكبرى وقد فعله، وأمّا تشخيص الموضوع، فهو من شأن المكلّف، وليس من شأن المولى(1)، في حين هو ملتزم بالبراءة العقليّة حتّى في الشبهات الموضوعيّة.

ولو كان مراده بالبيان علم المكلّف بالحكم، فمن الواضح أنّ المكلّف لا يعلم بالحكم حتّى على تقدير ثبوت الحكم في الواقع. والخطاب الظاهرىّ الواصل إنّما يتكفّل البيان على تقدير ثبوت الحكم بالمعنى الأوّل لا البيان بالمعنى الثاني.

وثانياً: أنّه لو سلّمنا محالاً ثبوت العلم للمكلّف على تقدير ثبوت الحكم واقعاً مع أنّه ليس عالماً على جميع التقادير، فالبراءة العقليّة ثابتة بشأنه؛ لأنّه لا يعلم بتحقّق ذلك التقدير الذي هو على ذاك التقدير عالم بالحكم، إذن فهذا العلم لا يكفي لوصول الحكم؛ إذ هو بنفسه غير واصل.

وأمّا ما استنتجه من المقدّمتين: «من أنّ موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان إنّما هو عدم البيان على تقدير وجود الحكم في الواقع»، فهو في غير محلّه؛ فإنّه لو فرض في المقدّمة الاُولى أنّ ذات وجود المانع متوقّف على وجود المقتضي، لصحّ هذا الاستنتاج؛ إذ لازم ذلك أنّه لا يعقل عدم البيان إلّا على تقدير وجود الحكم في الواقع، فلو فرض ثبوت البيان على ذلك التقدير، لم يبق موضوع للقاعدة، لكن المفروض في المقدّمة الاُولى إنّما هو توقّف مانعيّة المانع على وجود المقتضي دون ذات المانع. أمّا ما هو المانع هل هو عدم البيان على تقدير الواقع، أو مطلق عدم البيان؟ فهذا ما لا تتكفّله المقدّمتان.

هذا. وما ذكرناهما من المقدّمتين ليستا موجودتين في كلام المحقّق العراقىّ(رحمه الله)، وإنّما ذكرناهما توضيحاً لمرامه(قدس سره). وتحقيق المقدّمة الاُولى موكول إلى محلّه. أمّا المقدّمة الثانية، فهي غير صحيحة؛ إذ ليس عدم البيان مانعاً عن العقاب، وإنّما البيان داخل في مقتضي العقاب سواء قلنا بمبنى الأصحاب من إسناد الحجّيّة إلى القطع بوصفه قطعاً


(1) وكذلك لزم عدم جريان البراءة العقليّة في الشبهات الحكميّة لو احتملنا أنّ المولى قد قام بما عليه وبما هو من شأنه من البيان، إلّا أنّ البيان اختفى بسبب ظلم الظالمين مثلاً. وهذا النقض الثاني قد يمكن التخلّص منه في بعض الموارد إذا افترضنا أنّ البيان الذي يرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان عبارة عن علمنا بإبراز الشارع للحكم على تقدير وجوده، ففي مورد النقض الثاني لو فرض عدم علم من هذا القبيل، ارتفع النقض، لكن يبقى في الأقل النقض الأوّل.