المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

311

الأحكام الواقعيّة كجواز الائتمام ـ مثلاً ـ في العلم بالعدالة، كذلك يدلّ بالإطلاق على قيامه مقامه في إنهاء الأحكام الطريقيّة التنجيزيّة والتعذيريّة، كأصالة الاحتياط وأصالة البراءة الشرعيّتين، وقاعدة الفراغ والتجاوز، وغير ذلك من الأحكام الطريقيّة المغيّاة بالعلم، وصحيح أنّ هذا لايكون مستلزماً لتنجيز الواقع والتعذير عنه؛ إذ إسقاط المنجّزات والمعذّرات الشرعيّة لا يستلزم عقلاً التعذير أو التنجيز، ولكنّنا لا نحتمل فقهيّاً ثبوت سقوط الاُصول الشرعيّة بالنسبة إلى شيء من دون قيام حجّة عليه نفياً أو إثباتاً، وبهذا يثبت المطلوب(1).

الثاني: أنّنا لنسلّم أنّ حمل قوله مثلاً: (الظنّ كالقطع) على التنزيل بالمعنى المصطلح بلحاظ كلا قسمي القطع يورّطنا في مشكلة الجمع بين لحاظين؛ إذ إنّ حكم القطع الموضوعىّ يمكن إثباته للظنّ بالتنزيل، أمّا حكم القطع الطريقىّ، فلا يثبت بهذا التنزيل، لا بالأصالة؛ لأنّ المفروض عدم إمكان جعل المنجّزيّة والمعذّريّة، ولا بالتبع؛ لأنّ المفروض أنّ ترتّب التنجيز والتعذير على الظنّ يكون بواسطة الأمر التكوينىّ، وهو العلم بالواقع التنزيليّ، فنضطرّ إلى حمله على إرادة تنزيل المظنون منزلة الواقع، وهذا هو الجمع بين اللحاظين. إلّا أنّ التنزيل بالمعنى المصطلح لا يتعقّل في القطع الطريقىّ في موارد الشبهات الحكميّة حتّى بعد الحمل على إرادة تنزيل المظنون منزلة الواقع؛ إذ ما معنى تنزيله منزلة الواقع في الحكم، في حين أنّ الواقع هو الحكم، وهو المعنىّ بثبوته ظاهراً؟! فليس الهدف هو تنزيل المظنون منزلة الواقع في الحكم، وإنّما الهدف افتراض المظنون كأنّه هو الواقع، أي: أن يحكم المولى ظاهراً على وفق المظنون، إذن فالمفهوم من قوله: (الظنّ كالقطع) هو التشبيه لا التنزيل، والتشبيه من الممكن شموله لكلا قسمي الأثر


(1) أقول: إنّ هذا الإشكال ـ وإن كان وارداً على المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) على مستوى أنّه ادّعى استحالة دلالة دليل التنزيل على كلا التنزيلين، فثبت بهذا البيان عدم استحالة ذلك ـ لا يناسب عمليّاً ما بيدنا من منهج البحث؛ ذلك لأنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا استظهرنا من دليل التنزيل تنزيل الظنّ ابتداءً منزلة القطع الموضوعىّ، ثُمّ أردنا أن نتعدّى إلى تنزيله منزلة القطع الطريقىّ، فهذا بيان لطيف لإثبات التعدّي.

ولكن الواقع هو العكس؛ إذ نستظهر ابتداءً من دليل التنزيل تنزيل المظنون منزلة الواقع، أو قل: تنزيل الظنّ منزلة القطع بالنظر الآلىّ، ونلتمس وجهاً للتعميم والتعدّي إلى تنزيل الظنّ منزلة القطع الموضوعىّ، وهذا البيان لايفيد ذلك، فبحدود ما هو المفترض خارجاً من كون المتيقّن من مفاد الأدلّة إنّما هو الحجّيّة يكون إشكال المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) على التعميم مازال باقياً على قوّته.