المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

312

بلا حاجة إلى الجمع بين اللحاظين أو الصراحة والكناية، فيكون معنى قوله: (الظنّ كالقطع) هو أنّ الظنّ يشبه القطع، أي: إنّ من يظنّ بشيء، فعليه أن يعمل بنحو كأنّه قاطع به سواء بلحاظ الآثار الشرعيّة أو بلحاظ الآثار العقليّة، وهذا لا بأس به، ولا يهمّنا في ذلك الفرق الموجود بين الأثرين: من أنّ الأثر الشرعىّ يترتّب مباشرة على الظنّ، والأثر العقلىّ يترتّب في الواقع على العلم بالحكم الظاهرىّ لا على الظنّ بالحكم الواقعىّ.

وهذا نظير ما لو قال المولى لعبده: إن رزقت ولداً، فاصنع ما يصنعه عبد فلان حينما يرزق ولداً، فإنّ هذا ليس تنزيلاً بالمعنى المصطلح؛ إذ ليس لهذا المولى حكم على ذاك العبد حينما يرزق ولداً حتّى يسريه بالتنزيل إلى مورد كلامه، وإنّما حكم ذاك العبد مرتبط بمولاه، ولكنّه تشبيه وبيان لوجوب فعل ما يشبه فعل ذاك العبد على هذا العبد.

وقد ظهر ممّا ذكرناه: أنّ جعل الحكم المماثل بتنزيل المؤدّى منزلة الواقع غير معقول؛ إذ ليس للواقع حكم مماثل يسري إلى المؤدّى، وإنّما الواقع هو الحكم الذي يراد جعل مثله، فيصحّ التشبيه لا التنزيل.

هذا. وقد أشكل المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) على ما مضى ـ من تقريبه لعدم إمكان فهم كلا التنزيلين من دليل واحد للزوم الجمع بين اللحاظين ـ بوجهين في تعليقته على الرسائل: أحدهما إشكال على تقدير واحد، والآخر إشكال على كلّ تقدير:

أمّا الوجه الأوّل: فهو إشكال على تقدير بيان التنزيل بلسان الإخبار دون الإنشاء، وتوضيح ذلك: أنّه لو فرض تحقّق كلا التنزيلين بإنشاء واحد: وهو إنشاء جعل الظنّ كالقطع، والإنشاء بنفسه موجد لمعناه من الجعل على مبنى المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله)، فهذا محال؛ لاستلزامه الجمع بين اللحاظ الآلىّ والاستقلالىّ. أمّا لو جعل ابتداءً الظنّ مقام القطع الموضوعىّ باللحاظ الاستقلالىّ، وجعل ـ أيضاً ـ الظنّ مقام القطع الطريقىّ باللحاظ الآلىّ؛ وذلك بجعلين مختلفين لا بجعل واحد، فلم يلزم الجمع بين اللحاظين، ثُمّ أخبر: بأنّي جعلت الظنّ بمنزلة القطع، وأراد بذلك ما يقتضيه إطلاق الكلام من المفهوم الجامع بين الظنّ الآليّ والاستقلاليّ، والمفهوم الجامع بين القطع الآلىّ والاستقلالىّ، فقد أخبر بقيام كلّ من الظنّ الآلىّ والاستقلالىّ مقام ما يناسبه من القطع، فلا إشكال في المقام.

وبكلمة اُخرى نقول: إنّ مقتضى الإطلاق للإخبار هو ثبوت التنزيل في كلتا الحالتين