المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

356

من أنّ المولى يتوصّل إلى مطلوبه ـ من أخذ قيد العلم أو الإطلاق ـ بجعل ثان مقيّد بالعلم بالجعل الأوّل أو مطلق. ونورد على ذلك أمرين:

الأوّل: أ نّا إذا التفتنا إلى أنّ الذي يؤخذ في متعلّق الحكم هو العلم بالجعل، لم نحتج إلى متمّم الجعل؛ لما عرفت: من أنّ هذا ممكن في الجعل الواحد، أمّا لو لم نلتفت إلى ذلك، وتخيّلنا أنّ المجعول يتوقّف على العلم بالمجعول، أو قل: الحكم الفعلىّ يتوقّف على العلم بالحكم الفعلىّ، فتعدّد الجعل لا يحلّ المشكل؛ وذلك لأنّ الجعل الأوّل كيف يصبح فعليّاً كي يكون العلم بفعليّته سبباً لفعليّة الجعل الثاني؟ هل يصبح فعليّاً حينما نعلم به، فالمهملة في قوّة الجزئيّة؟، أو يصبح فعليّاً مطلقاً، أي: حتّى لو لم نعلم به، فالمهملة في قوّة المطلقة؟، أو لا يصبح فعليّاً أصلاً؟

فإن فرض الأوّل فهو غير معقول؛ إذ الجعل إنّما يصبح فعليّاً بفعليّة موضوعه، بمعنى تحقّق القيد المأخوذ فيه، أو انطباقه بالإطلاق، والمفروض عدم شيء منهما، على أنّه لو صحّ ذلك إذن لم نحتج لحصر الفعليّة في دائرة العلم إلى متمّم الجعل.

وإن فرض الثاني فهو ـ أيضاً ـ غير معقول؛ إذ مع فرض عدم الإطلاق الذي هو نكتة السريان لا يعقل الانطباق على تمام الأقسام، على أنّه لو صحّ ذلك لم نحتج في نتيجة الإطلاق إلى متمّم الجعل.

وإن فرض الثالث لم يمكن حصول العلم بمجعول الجعل الأوّل كي يتحقّق موضوع الجعل الثاني.

الثاني: أنّه لو أراد المولى تخصيص الحكم بالعالم بالحكم بما لهذه الكلمة من معنى، لم يصل إلى هدفه عن طريق تقييد الجعل الثاني ـ بطريقة المحقّق النائينيّ(رحمه الله) ـ بالعلم بالجعل الأوّل؛ لأنّ هذا الجعل الثاني ـ أيضاً ـ يكون بالقياس إلى نفسه مهملاً لا مقيّداً بالعلم به ولا مطلقاً، فهو بحاجة إلى جعل ثالث مقيّد بالعلم بالجعل الثاني، وهكذا إلى أن يتسلسل.

نعم، افترضنا أنّ عدم تقييد الجعل الثاني بالعلم بالجعل الأوّل دلّ على إطلاق الشوق والملاك لكلّ الناس؛ لأنّه لو كان الشوق والملاك مختصّين بشأن العالم، لكان إطلاق الجعل الثاني لفرض الجهل بالجعل الأوّل لغواً؛ لأنّ من كان جاهلاً بسابقه فلا شوق ولا ملاك في نظر المولى بالنسبة إليه، فلا داعي لجعل يحقّق نتيجة الإطلاق للجعل الأوّل.