المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

401

 

 

 

 

المرحلة الاُولى: مرحلة الجعل، وقد حمل المحقّق النائينىّ(رحمه الله) كلام الأخباريّين على دعوى القصور في هذه المرحلة، لابمعنى نفي حجّيّة كشف الحكم الشرعىّ عن طريق العقل؛ فإنّه لوكشف الحكم الشرعىّ عن طريقه، لم يمكن سلب حجّيّته عندئذ، بل بمعنى تقييد أصل الجعل عن طريق متمّم الجعل؛ فإنّ هذا بمكان من الإمكان، فكأنّ هذا حمل لكلام الأخباريّين على أمر ممكن، وإخراج له عن فرضيّة إسقاط القطع عن الحجّيّة الذي هو غير ممكن.

أقول: قد مضى منّا بيان إمكانيّة جعل العلم عن طريق ما ـ كالعلم عن طريق العقل ـ مانعاً بلاحاجة إلى متمّم الجعل، وكذلك يمكن جعل العلم عن طريق الشرع ـ مثلاً ـ شرطاً بمعنى أخذ العلم بالجعل شرطاً للمجعول بلا حاجة ـ أيضاً ـ إلى متمّم الجعل.

ولكنّه يقع الكلام هنا في أنّ هذا التقييد هل يفيد لردع من توصّل إلى حكم شرعىّ عن طريق العقل عن العمل بدليله العقلىّ؛ كي نستطيع أن نسند عدم جواز الاعتماد على الدليل العقلىّ إلى هذا التقييد، أو لا؟

والجواب: أنّ هذا غير ممكن؛ إذ لو تمّ لدى هذا الشخص الكشف، فهذا يعني:أنّه ـ مثلاً ـ اعتقد الحصول على العلّة التامّة للحكم، فاعتقد ـ مثلاً ـ أنّ ضرب اليتيم قبيح، وأنّ القبح العقلىّ علّة حتميّة للحرمة الشرعيّة، فلو قيل له: إنّ الحرمة الشرعيّة منتفية بشأنك باعتبار حصول العلم لك بها عن طريق العقل، لا يستطيع أن يصدّق بذلك؛ إذ هو مساوق عنده لانفكاك المعلول من علّته التامّة.

ولو لم يتمّ لديه الكشف؛ لعدم اعتقاده بالعلّيّة التامّة مثلاً، فبإمكانه التصديق بمانعيّة العلم العقلىّ عن الحكم: بأن يكون ما أدركه مقتضياً للحكم فحسب، قابلاً لاقترانه بهذا المانع، ولكن يكفي ـ عندئذ ـ لعدم حجّيّة دليله العقلىّ عدم تماميّة الكشف، وإضافة عدم الحجّيّة إلى تقييد الحكم بغير حالة العلم العقلىّ ليست إلّا إضافة تبرّعيّة، وعليه فتوجيه كلام الأخباريّين بهذا التفسير ليس حملاً لكلامهم على أمر ممكن(1).


(1) اللّهمّ، إلّا أن يكون مقصود الأخبارىّ إلفات نظر الاُصولىّ إلى أنّ ما اكتشفه الاُصولىّ ليس علّةتامّة للحكم؛ لأنّ نفس حصول العلم به عن طريق العقل مانع عن ثبوت الحكم، بأمل أن يلتفت الاُصولىّ إلى ذلك، فيزول علمه بالحكم وكشفه له.