المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

410

الآخرين(1)، فلو ادّعى هذه الدعوى، ومشينا معه إلى آخر نقوضها، وادّعى في جميعها الشكّ... لم يسعنا تكذيبه؛ لما مضى: من أنّ أجزاء العلّة لحصول الجزم تختلف من شخص لآخر، ولعلّ أحد أجزاء علّة حصول الجزم بالنسبة إلى هذا الشخص هو عدم الالتفات إلى كثرة الأخطاء، والمفروض التفاته إليها، لكنّا نقطع بأنّ هذا ليس جزء العلّة بصورة كلّيّة؛ لما نراه بالوجدان من تحقّق المعلول في أنفسنا، وهو الجزم، على رغم انتفاء هذا الجزء.

وهذا نظير أنّ ما نراه ـ مثلاً ـ من إحراق النار للقرطاس تحت السماء دليل على أنّه ليس من شرائط إحراقها للقرطاس كونها تحت السقف، فلو ادّعى أحد كون ذلك شرطاً له، كان جوابه نقضاً وحلّاً شيئاً واحداً، وهو ما جرّبناه خارجاً، بفرق أنّ هذه التجربة في مثل هذا المثال تهدينا إلى قضيّة عامّة حاصلها عدم اشتراط كون النار تحت السقف في الإحراق مثلاً؛ إذ لا نحتمل الفرق بين نار ونار، أو قرطاس وقرطاس، أو كون الملقي في النار زيداً أو عمراً... في حين أنّنا فيما نحن فيه لا تهدينا تجربتنا إلى قضيّة عامّة؛ لما قلناه: من أنّ أجزاء علّة حصول الجزم تختلف من شخص لآخر، فقد يكون عدم الالتفات إلى كثرة الأخطاء شرطاً لحصول الجزم في مزاج إنسان معيّن؛ لما له من خصوصيّات روحيّة وفكريّة وغيرها، ولا يكون الأمر بالنسبة إلى شخص آخر كذلك، فهو بما له من خصوصيّات فكريّة وروحيّة ومزاجيّة وغيرها يكون مضطرّاً إلى حصول الجزم له من الأدلّة العقليّة، وقد يكون أحد أجزاء العلّة لحصول الجزم له بكثير من الاُمور اعتقاده بكون ما له من مستوى الذكاء والخبرات والاطّلاع على سائر الآراء واصلاً إلى درجة لو فرض وجودها في أىّ شخص، واقترانها بالخصوصيّات التي اقترنت بها في هذا الشخص، لم تكثر أخطاؤه، بل كانت أخطاؤه في غاية القلّة بنحو لا موجب للتشويش من قبلها.

وخلاصة الكلام: أنّنا لا نمنع أن يدّعي أحد لنفسه الشكّ وعدم الجزم، لكن ليس له أن يقول لنا ـ بعنوان الإشكال والاعتراض ـ: لماذا يحصل لكم الجزم بالأدلّة العقليّة على رغم كثرة الأخطاء فيها؟! سنخ ما يقال لمن يذهب إلى صحراء كثيرة المخاطر: لماذا


(1) أو أن يقول: إنّ هذا الالتفات أصبح في نفسي مانعاً عن حصول الجزم، وألفت نظركم أيّها الاُصوليّون إلى أنّ هذا يناسب المانعيّة عن حصول الجزم، برجاء أن يكون نفس هذا الالتفات سبباً لانسلاب الجزم عنكم؛ كي اُنقذكم بهذا الطريق من اعتناق قطوع يكثر فيها الأخطاء.