المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

413

فالمرئي ـ مثلاً ـ له وجود في اُفق الرؤية، وهو عبارة عن نفس الإحساس الرؤيتي، وهذا راجع إلى القسم الأوّل من الإحساس، فحاله حاله.

واُخرى نتكلّم عنه بلحاظ اُفق الخارج، كإثبات وجود المرئي خارجاً، وهنا نفصّل بين إثبات أصل الواقع الموضوعىّ المستقلّ عنّا، وإثبات التفاصيل التي نحسّ بها: من طول، أو عرض، أو شكل، وهيئة، وما إلى ذلك.

أمّا الأوّل: فهو ـ أيضاً ـ كالأوّليّات في كونه مدركاً بالبداهة، وإن كان يفترق عنها في احتياج إدراكه إلى مقدّمات إعداديّة لا يحتاج درك الأوّليّات إليها(1).

وأمّا الثاني: فليس مضمون الحقّانيّة بالذات، ويقع فيه الخطأ كثيراً، كما أنّه ليس مضمون الحقّانيّة بواسطة البرهان أيضاً، وإنّما يدرك بإدراك أغفله المنطقيّون من الحساب، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في الجهة الثانية.

وأمّا التجريبيّات، فكالحسّيّات في عدم ضمان الحقّانيّة لها بصورة عامّة، بل قد تخطأ وقد تصيب؛ إذ لو جرّبنا ـ مثلاً ـ النار مرّات عديدة، فرأيناها محرقة، فهذا بالنسبة إلى الإنسان المتعارف سبب لحصول اليقين بالمعنى الاُصولىّ، ولكن كونه مضمون الصحّة موقوف على استقراء تمام الخصوصيّات التي يكون عالم التجربة أضيق منها(2)؛ ولذا يتّفق كثيراً انكشاف خطأ الجزم الناشئ من التجربة بالوصول إلى مادّة النقض.

وما ذكرناه في التجربة يأتي في الحدس أيضاً، وهو المسمّى في المصطلح الحديث بالملاحظة المنظّمة، كما في قولنا: نور القمر مستفاد من الشمس؛ فإنّها كالتجربة بفرق أنّ المجرّب يتدخّل في مورد التجربة بإدخال تغييرات وتعديلات عليه بخلاف الملاحظ.

وأمّا المتواترات فأيضاً ليست من اليقينيّات؛ فإنّ التواتر قائم على أساس الحسّ، وقد


(1) بل الصحيح: أنّ هذا إمّا مدرك بالاكتساب على أساس قانون العلّيّة، بأن يقال: التحوّلات التي نجدها في محسوساتنا في اُفق الإحساس تكشف بقانون العلّيّة عن واقع موضوعىّ متحوّل، أو أنّه ليس مدركاً حتّى بهذا القانون بناءً على احتمال نشوء هذه التحوّلات من حركة النفس الجوهريّة، فسيكون إذن حال إثبات الواقع الموضوعىّ هو حال إثبات التفاصيل مدركاً بحساب الاحتمالات.

وقد عدل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) عن دعوى بداهة أصل الواقع الموضوعىّ في كتابه (الاُسس المنطقيّة للاستقراء).

(2) أو على استحالة أكثريّة الصدفة، وقد فنّد ذلك في كتاب الاُسس المنطقيّة للاستقراء، فراجع.