المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

418

لامنشأ لها سوى التجربة، فلا تفيد ضمّ هذه المقدّمة إلى التجربة شيئاً (1).

والخلاصة أنّ العلوم التي تحصل للإنسان عن هذا الطريق ليست عدا يقين اُصوليّ. نعم، يمكن تقليل الخطأ في ذلك بطول الممارسة، وتمرين العقل، وتقوية الذكاء، وملاحظة مقاييس حساب الاحتمالات.

وكلّما كانت القضيّة أقرب إلى الموادّ البديهيّة، قلّ وقوع الخطأ فيها، كما أنّ القضايا التي لم يعمل فيها حساب الاحتمالات تبقى سليمة عن هذه الأخطاء، كما هو الحال في (المنطق) و(الحساب) و(الهندسة) وسائر الرياضيّات، هذا.

وحساب الاحتمالات ليس حاله حال منطق أرسطو في عدم إفادته لتكثير المعارف البشريّة؛ فإنّ هذا طريق للتخطّي إلى الخارجيّات(2).

وكذلك الحال بالنسبة إلى العقل المدرك للبديهيّات إلى حدّ ما؛ إذ لا أقلّ من كون إدراك الواقع الموضوعىّ المستقلّ مستفاداً منه(3).


(1) والدليل على عدم بداهة هذه القاعدة وضمان حقّانيّتها اُمور مذكورة في (الاُسس المنطقيّة) نكتفي هنا بالإشارة إلى وجهين منها:

الأوّل: إلفات الوجدان إلى أمرين:

أحدهما: أنّ إدراك العقل للأوّليّات يستبطن عنصر كون نسبة المحمول إلى الموضوع في المدرك نسبة الضرورة، ولا نمتلك قضيّة أوّليّة ولا فطريّة تكون نسبة المحمول إلى الموضوع فيها مجرّد نسبة الفعليّة والإطلاق العامّ (ومن هنا لا نؤمن بأوّليّة وجود العالم الموضوعىّ).

وثانيهما: أنّنا لا ندرك في قضيّة (الصدفة لا تكون أكثريّة) عنصر الضرورة بين المحمول والموضوع، مع أنّها لو كانت بديهيّة، لكانت من الأوّليّات ـ مثلاً ـ لا من المحسوسات.

الثاني: أنّنا لو افترضنا أقلّ درجات الكثرة المقطوع بعدمها في قولنا: (الصدفة لا تكون أكثريّة) عبارة عن عشرة مثلاً، وجرّبنا طعاماً أعطيناه لعشرة فتسمّموا، ثمّ اكتشفنا الصدفة في تسعة منهم مثلاً، فلا إشكال في أنّ الجزم الحاصل من التجربة يسلب منّا، في حين لو كانت هذه القضيّة عقليّة بديهيّة يمتنع خطؤها، لم يكن من المترقّب زوال ذاك الجزم.

(2) يلتقي الإنسان بأنحاء ثلاثة من المعلومات:

1 ـ ما يكون حاضراً لدى النفس باعتباره من المجرّدات الموجودة في اُفق النفس، كالألم واللذّة، وهذا يعرفه الإنسان مباشرة بلا حاجة إلى حساب الاحتمالات.

2 ـ ما في لوح الواقع (غير الخارجيّات)، وقد يدرك العقل بعض الاستحالات والضرورات في ذلك بلا حاجة إلى حساب الاحتمالات، كاستحالة اجتماع النقيضين، وكون اثنين زائداً اثنين يساوي أربعة.

3 ـ عالم الخارج، ولا سبيل له إلّا حساب الاحتمالات.

(3) قد مضى منّا عدم صحّة ذلك، وذكرنا عدوله(رحمه الله) عن ذلك في كتاب (الاُسس المنطقيّة للاستقراء). ويبدو أنّه في بحثه في دورته الأخيرة الذي لم أحضره جرى على وفق ما في كتاب الاُسس المنطقيّة.