المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

421

قبّحه القانون، ولا فرق بين هذا وقول الأشاعرة سوى أنّ الأشاعرة ـ بما هم متديّنون ـ أضافوا الحسن والقبح إلى قانون الشرع، والفلاسفة أضافوهما إلى مطلق القانون:

النقض الأوّل: حكم العقل العملىّ الواقع في طول الكتاب والسنّة، كوجوب المعرفة، ووجوب الطاعة، وحرمة المعصية؛ إذ مع إنكار العقل العملىّ لا يبقى ملزم لتحصيل المعرفة، ولا للطاعة وترك المعصية، وفرض إيجاب الشارع لهذه الاُمور غير مفيد: أمّا بالنسبة إلى وجوب المعرفة، فواضح؛ إذ المفروض أنّه لم يثبت بعد وجود الشارع كي يتمسّك بحكمه، وأمّا بالنسبة إلى وجوب الطاعة وحرمة المعصية، فلانّه لو لم يكن ذلك مدركاً بالعقل، واُريد تثبيته بحكم الشرع، نقلنا الكلام إلى إطاعة هذا الحكم، وهكذا إلى أن يتسلسل، أو يدور.

والنقض الثاني: حكم العقل العملىّ الواقع في الرتبة السابقة على الكتاب والسنّة، وهو حكمه بقبح إجراء المعجز على يد من يدّعي النبوّة كذباً؛ لكونه إضلالاً، فإنّه بناءً على إنكار ذلك لا يبقى مدرك لإثبات النبوّة.

والتحقيق: عدم ورود شيء من النقضين:

أمّا النقض الأوّل: فلأنّ بإمكان الأخبارىّ والأشعرىّ أن يدّعيا: أنّ المحرّك لنا لتحصيل المعرفة وللطاعة هو احتمال العقاب الذي هو المحرّك الوحيد حتّى بالنسبة إلى المعترفين بالحسن والقبح العقليّين، إلّا من شذّ وندر ممّن يعبد الله عبادة الأحرار، فاحتمال العقاب بذاته محرّك للإنسان بلا حاجة في تحريكه إلى توسيط حكم العقل بالقبح.

أمّا كيف ينشأ احتمال العقاب؟ فبإمكان الأخبارىّ أن يقول: إنّنا لا نعتمد على إدراك عقولنا القاصرة في درك الحسن والقبح، لكنّنا لاننكر أصل الحسن والقبح، ونحن نحتمل حسن الطاعة وقبح المعصية، ولا نحتمل العكس، وهذا الاحتمال يصبح منشأً ـ بحسب العقل النظرىّ ـ لاحتمال فعليّة العقاب في ترك الطاعة، وكذا الحال في ترك تحصيل المعرفة.

وبإمكان الأشعرىّ أن يقول: إنّنا أنكرنا أصل الحسن والقبح، فلا يأتي احتمال حسن الطاعة وقبح المعصية، ولكن ما دام لا يوجد حسن وقبح فالله تعالى حرّ في أفعاله، وقد أنذرنا بالعقاب على ترك الطاعة وفعل المعصية، والإنسان السوىّ في عقله وتفكيره