المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

422

يحتمل لامحالة صدق هذا الإنذار احتمالاً راجحاً على احتمال كون العقاب على فعل الطاعة وترك المعصية (إن احتمل ذلك أيضاً)، وهذا بنفسه محرّك نحو الطاعة وترك المعصية، وكذا الحال بالنسبة إلى وجوب المعرفة.

وهناك جواب آخر يمكن للأخبارىّ والأشعرىّ أن يتمسّكا به ـ على وفق مبانيهما ـ بالنسبة إلى مسألة الطاعة فحسب دون مسألة المعرفة، وهو دعوى القطع بثبوت العقاب على المخالفة:

أمّا الأخبارىّ فلما ذهب إليه: من أنّ الدليل النقلىّ يورث القطع، وقد ورد كثيراً الإخبار بالعقاب على المخالفة، فنقطع بثبوت العقاب، بل بهذا الطريق يحصل لنا القطع بنفس الحسن والقبح؛ لدلالة الأخبار ـ أيضاً ـ على حسن الطاعة وقبح المعصية، فإذا ثبت الحسن والقبح، ثبت العقاب في المخالفة.

والإيراد على ذلك: بأنّه (لو سقط العقل عن الاعتبار، سقط النقل أيضاً؛ لتوقّفه عليه) إيراد على المبنى، ونقض وارد عليهم في باب العقل النظرىّ، وقد مضى ذكره. وهنا إنّما نتكلّم بلحاظ العقل العملىّ، فنرى أنّ هذا النقض غير وارد عليهم بناءً على مبانيهم.

وأمّا الأشعرىّ فصحيح أنّه أنكر الحسن والقبح بمعنى الجهة المترتّب عليها المدح والذمّ، لكنّه لم ينكر الكمال والنقص ودرك العقل لهما حتّى في الاُمور الخارجة عن الاختيار؛ ولذا استدلّوا على امتناع الجهل على الله بأنّ الجهل نقص، وأنّ النقص محال على الذات الواجبة الوجود، فاستنتجوا من هاتين المقدّمتين امتناع الجهل على الله. ولا نريد البحث هنا عن مدى صحّة هاتين المقدّمتين، ومدى إمكانيّة التفكيك بين درك الكمال والنقص ودرك الحسن والقبح، وإنّما نهدف للقول بأنّهم على مبانيهم يمكنهم الجواب عن النقض بدعوى أنّ الكذب نقص بحكم العقل النظرىّ، والنقص محال على الله بالعقل النظرىّ أيضاً، فيثبت بذلك صدق الإنذارات الواردة من الشارع(1).

هذا، مضافاً إلى أنّ الأشعرىّ يمكنه دفع النقض بالنسبة إلى كلّ من مسألتي الطاعة


(1) لا يخفى أنّ الكمال والنقص أحياناً يكونان ثابتين بشكل مستقلّ عن الحسن والقبح، كما في العلم والجهل، والقدرة والعجز، وما شابه، واُخرى يكونان نتيجة للحسن والقبح، فالكذب إنّما يكون نقصاً لأنّه قبيح، فلا ينبغي قياس باب الكذب بباب الجهل، ولا مسوّغ لافتراض امتناع الكذب على الله بعد فرض عدم القبح.