المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

423

والمعرفة بما يتبنّاه: من أنّ كلّ ما يصدر عن الإنسان من فعل أو ترك فهو مجبور عليه(1).

وأمّا النقض الثاني: فيرد عليه:

أوّلاً: أنّ الاستدلال على النبوّة بقبح إجراء المعجز على يد الكاذب لكونه تضليلاً غير صحيح، على الرغم من أنّه هو الاستدلال الرسمىّ لعلم الكلام منذ وجد حتّى الآن؛ وذلك لأنّ المعجز إن لم يكن ـ بغضّ النظر عن قبح التضليل ـ دليلاً على النبوّة وصدق مدّعى من جرى على يده، إذن ليس إجراؤه تضليلاً، وإن كان دليلاً على ذلك، إذن ضمّ مسألة التضليل (المتوقّف على الدلالة في الرتبة السابقة) إلى تلك الدلالة ضمّ للحجر إلى جنب الإنسان(2).

 


(1) لايخفى أنّ مدّعي الجبر لا ينكر عادة الدوافع ومقدّمات الإرادة والشوق المؤكّد في النفس، وإنّما يقول: إنّ الأفعال التي تصدر عن الإنسان تكون واجبة الوجود بالغير، بمعنى: أنّها يجب أن تصدر عنه بدوافعها؛ لوجود علّة تامّة لذلك (كما أنّ صاحب الكفاية المدّعي للاختيار سمّى نفس هذا اختياراً). وعليه، فبالإمكان إيراد التساؤل على الأشعرىّ عمّا هو دافعه نحو الطاعة وتحصيل المعرفة على رغم إنكاره للحسن والقبح، ولا يصحّ الجواب عن ذلك بأنّه مجبور على ما يفعل.

(2) قلت له (رضوان الله عليه): إنّه قد يقال: إنّ المعجز دليل على النبوّة بقطع النظر عن قبح التضليل في مستوى فكر العوامّ غير الملتفتين إلى هذه المناقشات، وأمّا عند الخواصّ فهو بذاته ليس دليلاً على النبوّة، ولكن تتمّ دلالته على النبوّة عندهم ببيان: أنّه لو لم يكن نبيّاً فإجراء المعجز على يده تضليل للعوامّ، والتضليل قبيح يستحيل صدوره عن الله تعالى.

فأجاب(رحمه الله) عن ذلك:

أوّلاً: بأنّ هذا لو تمّ، فهو تصحيح للبرهان الكلامىّ على النبوّة، ولكنّه لا يفيد بحثنا في المقام لتثبيت الإشكال على الأخبارىّ والأشعرىّ؛ إذ بعد أن ثبتت في الجملة دلالة المعجز على النبوّة في المرتبة المتقدّمة على قاعدة قبح التضليل، فمن الممكن للأشعرىّ والأخبارىّ أن يدّعيا حصول العلم لهما من هذا الدليل، وعدم اختصاص دلالة المعجز بمستوى فهم العوامّ فقط. وحينئذ وإن كان يقع البحث في أنّ دلالة المعجز في الرتبة المتقدّمة على مسألة التضليل هل هي تامّة حقيقة، أو هي فهم بسيط للعوامّ والسذّج؟ لكن هذا غير انسداد باب إثبات النبوّة رأساً وورود النقض على الأخبارىّ والأشعرىّ.

أقول: لو غضّ النظر عمّا سيأتي في المتن من الجواب الثاني عن النقض: من كون المعجز بنفسه دليلاً على النبوّة، وكذلك توجد أدلّة اُخرى عليها، فهذا الجواب هنا لايرجع إلى محصّل؛ إذ غاية ما هناك أنّنا نبحث مع الأخبارىّ والأشعرىّ إلى أن نثبت لهما بعد النقاش: أنّ الإعجاز بحدّ ذاته ليس دليلاً تامّاً على النبوّة، وإنّما هو دليل في نظر العوامّ، وحينئذ يكون إجراؤه على يد الكاذب تضليلاً للعوامّ، فإن قبلتم قبح التضليل، ثبت النقض عليكم، وإلّا انهار أصل الإيمان بالنبوّة.

وثانياً: بأنّ هذا البيان بنفسه غير تامّ، بغضّ النظر عن مسألة تثبيت النقض على الأخبارىّ والأشعرىّ وعدمه؛ إذ لو لم يكن المعجز في المرتبة السابقة دليلاً على النبوّة إلّا على مستوى فهم العوامّ والسذّج، فدليل