المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

425

كذب أو اشتباه هذا الذي انفتح أمامه هذا الباب حول مدّعاه في دعواه(1) وبهذا تثبت صحّة دعواه.

الوجه الثاني: أن تستقرأ بحسب التأريخ والزمان الحاضر المجتمعات المختلفة الكثيرة؛ لتحصيل القطع بالتجربة على أنّه لا ينبغ أحد في مجتمع ما، ولا يفوق ذاك المجتمع في الفهم والذكاء إلّا بنسبة خاصّة، وتحت مستوىً معيّن من الفرق، ثُمّ يلاحظ المجتمع الذي نبغ فيه النبىّ(صلى الله عليه وآله)، ويرى ما جاء به من أحكام وأفكار في شتّى الميادين، ويلاحظ أنّها تفوق بدرجات كثيرة أعلى درجات الذكاء الممكن لنابغة ينبغ في ذاك المجتمع بحسب الطبع البشرىّ، وإن كان من المحتمل علوّ ذكائه إلى حدّ تلك الأحكام والأفكار بلحاظ نبوّته، فيثبت بذلك: أنّ تلك الأحكام والأفكار ليست له، إن هي إلّا وحي يوحى علّمه شديد القوى.

هذا أساس لبرهان صحيح على النبوّة يؤثّر في النفوس أكثر وأشدّ من تأثير البرهان الكلامىّ المعروف ثبّتناه هنا بأمل أن يوفّق الله تعالى بعد هذا شخصاً لبيان إثبات النبوّة على هذا الأساس مع ما يحتاج إليه من مزيد تتّبع وتنقيح.

الوجه الثالث: ملاحظة أحوال الرسول(صلى الله عليه وآله)، وأمانته، وصدق لهجته، وخلقه العظيم، واستقامته في أمره، وصموده أمام المحن والمصائب التي كانت كافية لرفع يد الكاذب عن كذبه، وعلوّ همّته بدرجة لو وضعت الشمس في يمينه والقمر في يساره وجعل سلطاناً على وجه الأرض، لما رفع اليد عن دعوته، فلا يعقل أن تكون دعوته استطراقاً إلى كسب


(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): أنّ عدم الاحتمال هذا، أو قل: الجزم بصدق تمام مدّعى صاحب الإعجاز الذي أقام الإعجاز بعنوان إثباته (بعد ما ثبت إعجازه بحساب الاحتمالات كما عرفت) يمكن تصعيده إلى مستوى ضمان الحقانيّة، بدعوى أنّها قضيّة بديهيّة التصديق بعد استيعاب تمام أطرافها تصوّراً، قال(رحمه الله): إنّه لا مجال الآن لتحقيق وبيان ذلك.

أقول: بل الظاهر: أنّ هذا ـ أيضاً ـ نتيجة حساب الاحتمالات الذي هو الباب الوحيد للتطرّق إلى عالم الخارج كما مضى، وهذا شبيه تماماً بما يتّفق من أنّه يصل إلينا رسول من قبل شخص، ويبلّغنا رسالته، ونطالبه بعلامة على الصدق، فيرينا علامة نعلم أنّها لم تكن توجد إلّا عند المرسل، وأنّه لا داعي له لإعطائه إلى أحد إلّا بعنوان وضع العلامة.