المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

427

الحسن والقبح الشرعيّين كنسبة السلطنة الواقعيّة إلى السلطنة الشرعيّة المختلفتين جوهريّاً: فالثانية عبارة عن عنوان السلطنة المجعول بتشريع الشارع وإنشائه، وهو الملكيّة مثلاً، في حين أنّ الاُولى عبارة عن نفس المعنون وواقع السلطنة الثابت في الخارج.

وكذلك الحال فيما نحن فيه، فالحسن والقبح الذاتيّان عبارة عن واقع الحسن والقبح ونفس المعنون، في حين أنّ الحسن والقبح الشرعيّان عبارة عن عنوان الحسن والقبح الثابت بالجعل والاعتبار، ولايؤثّر الجعل والاعتبار إلّا في إيجاد العنوان دون المعنون. وإن شئت فسمّ الأوّل بالحسن والقبح بالحمل الشائع، والثاني بالحسن والقبح بالحمل الأوّلىّ.

وبعد أن اتّضحت لك هذه النكتة، نقول: إنّ فرض النزاع في إدراك الحسن والقبح الذاتيّين يتصوّر بأحد وجوه:

الأوّل: أن تقول العدليّة ـ مثلاً ـ: إنّا ندرك الحسن والقبح الذاتيّين، ويكذّبهم الأشعرىّ، ويقول لهم: إنّكم لا تدركون ذلك.

وهذا ليس بحثاً علميّاً؛ فإنّ البحث العلمىّ قائم على أساس التخطئة لا التكذيب. والواقع: هو ثبوت هذا الإدراك في أكثر أفراد البشر.

الثاني: أن يقول هذا: إنّي اُدرك الحسن والقبح. ويقول ذاك: إنّي لا أدركهما. وهذا راجع في الحقيقة إلى البحث الثالث؛ إذ معنى ذلك: أنّ الأشعرىّ يقول للعدليّة: إنّ حقّانيّة ما عندكم من الإدراك غير ثابتة عندي، أو هي ثابتة العدم(1).

الثالث: أن يقول أحدهما للآخر: إنّي اُدرك ما تدركه، إلّا أنّ الخلاف فيما بيننا هو: أنّ هذا الأمر المدرك هل هو مضاف إلى ذات الشيء، أو إلى الشارع؟ وتشعر بذلك كلمات الأشعريّين في كيفيّة تحرير البحث؛ إذ إنّهم يقسّمون أوّلاً الأفعال إلى الحسن والقبيح، ويذكرون أقسام الحسن وأقسام القبيح، ثمّ يبحثون أنّ هذا الحسن والقبح عقلىّ، أو شرعىّ؟ فكأنّهم يرون أنّ الحسن والقبح لا يختلف ذاتهما على فرض كونهما عقليّين عنهما على فرض كونهما شرعيّين.

ويشعر بذلك ـ أيضاً ـ ردّ العدليّة للأشعرىّ بإدراك البراهمة ونحوهم ـ ممّن يقال عنهم:


(1) كأنّ المقصود: أنّ أحدهما يدّعي: أ نّي اُدركهما إدراكاً نابعاً من حاقّ نفسي، والآخر يقول: إنّي لا اُدركهما هكذا إدراك.