المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

429

من ترتّب المصالح عليه. والمقصود بالمصلحة: ما هو كمال لقوّة من القوى، وبالمفسدة: ما هو نقص لها(1).

ولا فرق فيما ذكرناه (من التغاير بين باب الحسن والقبح وباب المصلحة والمفسدة) بين ما لو قصد بالمصلحة والمفسدة المصلحة والمفسدة الشخصيّتان بالنسبة إلى قوّة من القوى، أو الشخصيّتان بالنسبة إلى خصوص النفس البشريّة، بمعنى كمال النفس ونقصها في قاموس علم الأخلاق دون ما لها من قوى، أو النوعيّتان؛ وذلك لتخلّف الحسن والقبح عن باب المصلحة والمفسدة في كلّ هذه الفروض الثلاثة. فيعلم أنّ الحسن والقبح لا يدوران مع المصلحة والمفسدة أينما دارتا:

أمّا الأوّل: فلأنّه لو فرض ربط الحسن والقبح بالمصلحة والمفسدة الشخصيّتين لكلّ قوّة من القوى، فإمّا أن يقصد بالمصلحة والمفسدة ما هو علّة تامّة لانقداح الداعي إلى الفعل أو الترك، وإمّا أن يقصد ما هو مقتض لذلك.

ومن الواضح: أنّه ليس من المعقول أن يكون المقصود هو الأوّل؛ إذ يلزم من ذلك: أن يصدر عن الإنسان ـ دائماً ـ ما هو حسن، ولا يصدر عنه القبيح.

وإن اُريد الثاني، أعني: ما هو مقتض لانقداح الداعي، قلنا: إنّ هناك فرقاً بيّناً في حالة الإنسان المدرك للحسن والقبح بين فرض ارتكابه لما يعتقد قبحه وفرض ارتكابه لما يعتقد كونه خلاف مصالحه.

فمثلاً: من كان يعتقد بكون التدخين خلاف مصلحته؛ لأنّه يؤثّر في انكسار قواه وانحراف مزاجه، وأنّ الضرر المترتّب على الصبر على تركه أهون بكثير من ذلك، ومع ذلك لا يترك هذا العمل معلّلاً بضعف الإرادة وما شابه ذلك، لا يشعر في نفسه إلّا بالأسف. وهذا بخلاف من كشف سرّ أخيه معتقداً لقبح ذلك؛ فإنّه يشعر في نفسه بالخيانة والخجل


(1) لا يخفى أنّ المصلحة والمفسدة بالمعنى الذي قد يفترض تبعيّة الحسن والقبح لهما: إمّا أن يقصد بهما ما يوجب الكمال والنقص، أو يقصد بهما ما يوجب اللذّة والألم، أو الجامع بينهما. واُستاذنا الشهيد(رحمه الله)فسّر في المقام المصلحة والمفسدة بمعنى الكمال والنقص، ولعلّه فرض اللذّة ـ أيضاً ـ كمالاً لقوّة من القوى والألم نقصاً. وعلى أىّ حال، فلو فسّرت المصلحة والمفسدة بخصوص ما يوجب اللذّة أو الألم، فأيضاً الحقّ انفصال باب الحسن والقبح عن باب المصلحة والمفسدة. ولا تخفى عليك (بعد الإحاطة بما في المتن) كيفيّة صياغة البيان بنحو يوضّح انفصال باب الحسن والقبح عن باب اللذّة والألم، وإن لم يكن ما في المتن بصدد ذلك بالخصوص.