المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

430

ووخز الضمير ـ إن لم يكن قد مات ضميره بكثرة الممارسة مثلاً ـ حتّى إذا افترضنا أنّ ذلك لم يكن خلاف مصالحه الشخصيّة.

وأمّا الثاني: فلأنّه لو ربط الحسن والقبح بالمصلحة والمفسدة بمعنى ما هو كمال للنفس أو نقص لها بحسب علم الأخلاق، لزم أن يكون الحسن والقبح في طول كمال النفس ونقصها، في حين أنّ الأمر بالعكس، فما يتّصف بالحسن أو القبح يؤثّر بما هو كذلك في الكمال والنقص، دون العكس، وإلّا للزم إيقاع المزاحمة بين الكمالات والنقائص في مقام استنتاج كون هذا الفعل حسناً أو قبيحاً.

فمثلاً: لو كان كشف سرّ الأخ مقدّمة لتحصيل علم من أهمّ العلوم، فلا إشكال في أنّ من يكشف سرّ أخيه لكي يحصل على علم من هذا القبيل، يعدّ لدى المعترفين بقبح كشف السرّ خائناً غير نبيل، في حين لو فرضنا دوران الحسن والقبح مدار ما يوجبه الشيء من كمال أو نقص، يجب إيقاع التزاحم بين المقدار الذي يزول بسبب كشف السرّ مرّة واحدة من ملكة كتمان السرّ (التي هي في قاموس علم الأخلاق كمال من كمالات النفس) والمقدار الذي يحصل عليه من كمال العلم بسبب ذلك؛ ولرجحان الثاني يحكم بعدم قبح كشف السّر، بل بحسنه.

وكذلك لو فرض أنّ شخصاً قادراً على التصرّف في النفوس قال له: اكشف مرّة واحدة سرّ أخيك، وأنا أضمن لك تتميم هذه الملكة في نفسك، وجعلها أقوى ممّا كانت قبل كشف السرّ بدرجات كثيرة، ففعل ذلك، فلا إشكال في أنّه يعدّ رجلاً خائناً، ويعدّ فعله رذيلة من الرذائل.

وأمّا الثالث: فلأنّه لو ربط الحسن والقبح بمصلحة المجتمع ومفسدته، لزم في مثال مقدّميّة كشف السرّ لتحصيل ما هو من أهمّ العلوم ـ مثلاً ـ إيقاع التزاحم بين المفسدة النوعيّة المترتّبة على كشف السرّ وزوال ملكة الكتمان، والمصلحة المترتّبة على تحصيل ذلك العلم الذي يمكّنه من نفع المجتمع بمنافع عظمى. فمتى ما كانت هذه المصلحة أقوى، لزم أن لا يكون كشف السرّ قبيحاً، ولا يعدّ هذا الشخص خائناً وغير نبيل عند من يدرك قبح كشف السرّ، في حين ليس الأمر كذلك. هذا.