المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

431

وللمحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) في فوائده(1) بيان في شرح الحسن والقبح، يربط فيه باب الحسن والقبح بباب المصلحة والمفسدة باُسلوب آخر يختلف عن الوجوه الماضية. ولعلّه كان لتفطّنه على ما يرد على تلك الوجوه، أو لتفتيشه عن أساس أعمق. وحاصل كلامه ـ رضوان الله عليه ـ: أنّه طبّق أوّلاً مقالة الفلاسفة في تفسير الخير والشرّ على باب الأفعال.

توضيح ذلك: أنّ الفلاسفة ذهبوا إلى أنّ الوجود خير محض، وأنّ العدم شرّ محض، فكلّما كان أوسع وجوداً، كان أوسع خيريّة، وكلّما كان أضأل وأضيق وجانب العدم أغلب عليه، يكون أكثر شرّيّة. واتّصاف بعض الوجودات بالشرّ يكون باعتبار ما يلازمها، أو يترتّب عليها من الأعدام، كما أنّ اتّصاف بعض الأعدام بالخير يكون باعتبار ما يلازمها، أو يترتّب عليها من الوجودات. فالإنسان ـ مثلاً ـ أكثر خيراً وآثاراً من الحيوان؛ لكونه أوسع وأرقى وجوداً منه، وكذلك الحيوان أكثر بركة وآثاراً من النبات، والنبات من الجماد. هذا هو تطبيق كلام الفلاسفة على الأعيان الخارجيّة.

وكذا الكلام في تطبيقه على الأفعال: فكلّ فعل يكون جانب الوجود فيه أوسع، فهو أكثر خيريّة، وكلّما كان من الأفعال ضئيلاً وحقيراً، وكان جانب العدم هو الغالب عليه، كان أشدّ شرّيّة.

والمحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) بعد ما طبّق كلام الفلاسفة على باب الأفعال ذكر: أنّ كلّ قوّة من القوى في الإنسان ـ كقوّة البصر والذوق والشمّ وغير ذلك ـ تنبسط وتنشرح بإدراك ما يلائمها، وتتضجّر وتنكمش من إدراك ما ينافرها. فالباصرة ـ مثلاً ـ تنبسط لرؤية الحديقة والأزهار، وتتضجّر لرؤية ما تستقبحه من صور الأشياء الكريهة، وكذلك الشامّة بالنسبة إلى الروائح وغيرها من القوى.

وكذلك الحال في رئيس تلك القوى، وهي القوّة العاقلة، فتنبسط لادراك ما يلائمها، وتنكمش من إدراك ما ينافرها. ومقياس الملائمة والمنافرة لها هي: درجة التسانخ وعدمه. وبما أنّ القوّة العاقلة موجود بسيط ومجرّد، ومن أوسع الوجودات وأرقاها، فكلّ فعل كان أوسع وجوداً، كان أشبه وأنسب بالقوّة العاقلة، وأكثر سنخيّة لها، فتنبسط القوّة


(1) وهي الفائدة 13 من كتاب الفوائد للشيخ الآخوند، وبحسب طبعة بصيرتي في ذيل حاشية الآخوند على الفوائد وقعت في صفحة 330 ـ 332.