المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

432

العاقلة بإدراكه لها تصوّراً أو تصديقاً، وكلّ فعل كان أضيق وجوداً وجانب العدم أكثر غلبة عليه، كان أكثر مباينة لتلك القوّة، فتنكمش منه. وهذا هو معنى الحسن والقبح العقليّين(1). هذا هو ما اختاره المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) في المقام.

وتحقيق ما مضى من تفسير الفلاسفة للخير والشرّ مربوط ببحث الفلسفة، وإنّما نتكلّم هنا فيما أفاده المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) بالمقدار المناسب لبحثنا.

والواقع: أنّ ما ذكره(رحمه الله) كان ألطف ما ذكره الاُصوليّون في المقام من حيث التطبيق على المصطلحات، لكن التحقيق: أنّ كلامه لا يرجع إلى محصّل.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ ما ذكره(رحمه الله) هو خلط في الحقيقة بين المدرك بالذات والمدرك بالعرض.

توضيح ذلك: أنّنا حقّقنا في بحث اجتماع الأمر والنهي أنّ الحالات النفسيّة من قبيل الإدراك والحبّ والبغض وغير ذلك لا تنصبّ ابتداءً على ما في الخارج، وإنّما يكون المدرك بالذات أو المحبوب والمبغوض بالذات ونحو ذلك هي الصورة الموجودة في صقع الإدراك أو الحبّ والبغض، وهي عين الإدراك أو الحبّ والبغض أو غير ذلك من الصفات النفسيّة. أمّا ما في الخارج فهو مدرك بالعرض أو محبوب أو مبغوض بالعرض.

وبعد هذا نقول: إنّ تنافر أىّ قوّة من القوى من إدراك شيء أو انبساطها منه عبارة عن المنافرة أو الملائمة بينها وبين المدرك بالذات، لا المدرك بالعرض؛ فإنّ المدرك بالعرض


(1)وقال(رحمه الله) ما نصّه: ومع ذا لا يكاد يبقى مجال لإنكار الحسن والقبح عقلاً؛ إذ لانعني بهما إلّا كون الشيء في نفسه ملائماً للعقل فيعجبه أو منافراً فيغربه. وبالضرورة أنّهما يوجبان صحّة المدح والقدح في الفاعل إذا كان مختاراً بما هو فاعل، كما لا يكاد يخفى على عاقل. ودعوى عدم اختلاف الأفعال في ذلك، كدعوى عدم إيراث ذلك تفاوتاً فيها ملائمة ومنافرة للعقل، كدعوى عدم صحّة مدح الفاعل وذمّه على صدور الفعل الملائم والمنافر بالاختيار، مكابرة واضحة... إلى أن قال: ثُمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا ـ من بيان ما هو سبب اتّصاف الأفعال عند العقل بالحسن والقبح ـ اتّصافها بهما أيضاً عنده جلّ شأنه، ولايبقى مجال لإنكار ذلك ـ بتقريب: أنّه من المحتمل أن يكون ملائمات العقل ومنافراته بالقياس إليه تعالى، كملائمات سائر القوى ومنافراتها بالنسبة إليه. فكما لا يتفاوت عنده الملائم والمنافر لها، بل على حدّ سواء، كذلك كان حال ملائماته ومنافراته بالإضافة إليه تعالى ـ وذلك لما عرفت: من أنّ سبب الاتّصاف هو الاختلاف في السنخيّة والبينونة في الوجود بحسب سعته وكماله وضيقه ونقصه، بما له من الأثر خيراً وشرّاً. ولايخفى أنّ هذا كلّما كان الوجود أكمل، كان أظهر وأبين؛ ولأجل ذلك يكون كلّما كان العقل أكمل، كان استقلاله بهما فيها أكثر، والملائمة والمنافرة أبين وأظهر، وكلّما كان أنقص، كان ذلك أقلّ، إلى أن لا يرى المنافر منافراً والملائم ملائماً، بل يرى بالعكس.