المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

435

عند عدم الالتفات إليها، في حين ليس الأمر كذلك. وكذا ربط إدراك حسن ترك الانتقام بالالتفات إلى وجودات ملازمة له وعدم إدراكه عند عدم الالتفات إليها، في حين ليس الأمر كذلك. هذا مضافاً إلى أنّ هذا الكلام ينافي مبناه(رحمه الله): من عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاصّ(1).

وأمّا لو اُريد أنّ إسناد القبح إلى الكذب ـ مثلاً ـ إسناد مجازىّ باعتبار الأعدام الملازمة له، فهو بغضّ النظر عمّا عرفت من النقض بفرض عدم الالتفات إلى الأعدام المترتّبة عليه، يكون ممّا يكذّبه وجدان المدركين للحسن والقبح من العقلاء؛ فإنّهم يدركون قبح الكذب حقيقة لا مجازاً.

بقي هنا شيء، وهو: أنّ ما ذكره(رحمه الله) من انبساط القوّة العاقلة وانقباضها لا ترى له أىّ منشأيّة لصحّة المدح والذم، فلابدّ من التفتيش عن نكتة لصحّة المدح والذمّ. فإن فرضنا أنّها عبارة عن قانون العقلاء وجعلهم لصحّة المدح والذمّ، رجع هذا في الحقيقة إلى إنكار إدراك الحسن والقبح الذاتيّين، وإن فرضنا أنّها عبارة عن خصوصيّة ذاتيّة في الفعل، فهي بنفسها تفسير للحسن والقبح بلا حاجة إلى ضمّ انبساط القوّة العاقلة وانقباضها، إلّا أن يكون مقصوده(قدس سره) أنّ ذلك علامة ومعرّف للحسن والقبح، وإن كان هذا خلاف ظاهر كلامه (2).

ثُمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه عدم صحّة إرجاع ما يتراءى لدى الناس من إدراك الحسن والقبح إلى باب الميل والغريزة، وسلخهما من باب الإدراك؛ فإنّه يلزم من ذلك عدم صحّة


(1) قد يقول القائل: إنّنا لا ندخل الأعدام والوجودات الملازمة للشيء في الحساب، ولكن ندخل الأعدام والوجودات الناتجة عن الشيء في الحساب، فهذا يشبه اقتضاء النهي عن المعلول النهي عن علّته، لا اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه.

(2) كان الأولى أن يصاغ هذا المقطع بصياغة اُخرى أشمل، وذلك بأن يقال: هل المقصود أنّ الحسن والقبح عبارة عن نفس الملائمة والمنافرة للقوّة العاقلة التي توجب الانبساط والانقباض، أو المقصود أنّ الحسن والقبح أمران واقعيّان بغضّ النظر عن الملائمة والمنافرة، مرتبطان بسعة الوجود وضيقه (أو هما عين سعة الوجود والضيق في العمل الاختيارىّ)، ومعنى إدراك العقل لهما: انبساطه للحسن وانقباضه للقبيح على أساس الملائمة والمنافرة؟ فإن فرض الأوّل، ورد عليه ما في المتن: من أنّ مجرّد الملائمة والمنافرة، أو تأثير المدرك في انبساط وانقباض العقل، ليس مصحّحاً للمدح والذم... إلى آخره.

وإن فرض الثاني، فهذا في واقعه إنكار لادراك الحسن والقبح؛ فإنّ الإدراك يعني الكشف، لا حالة الانبساط والانقباض؛ إلّا أن يفرض الانبساط والانقباض مجرّد علامة، وهذا خلاف ظاهر كلامه.